يسعى العراق إلى تعزيز الإنفاق في الموازنة العامة لعام 2018، إذ أبدت نائب رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية نورة سالم البجاري تفاؤلها بموازنة العام المقبل، في أن «تكون أقل تقشفاً منها هذه السنة، خصوصاً بعد القضاء على عصابات «داعش» وعودة سيطرة الحكومة على الآبار النفطية في كركوك والإقليم ونينوى، وتطبيق التوجهات الجديدة برفع العائدات المالية غير النفطية». ووفقاً للمسودة الأولى لقانون الموازنة، «بلغت قيمتها الإجمالية نحو 85.33 تريليون دينار ( 71.65 بليون دولار)، بعجز وصل إلى 22.78 تريليون دينار ( 19.13 بليون دولار)». وأوضحت البجاري في حديث إلى «الحياة»، أن العام المقبل «سيشهد انتهاء العمليات العسكرية في شكل كامل، إذ لم يتبقَّ من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» الإرهابي سوى مساحات محدودة في غرب الأنبار وجيوب هنا وهناك»، كاشفة أن استمرار الحرب «كانت تستنزف مبالغ تصل إلى 30 مليون دولار يومياً». وأشارت إلى أن «التحسن الآخر في الموازنة يتعلق بالعائدات النفطية، إذ كانت نسبة 40 في المئة من آبار النفط خارج سيطرة الحكومة، وفي حال اتفقت بغداد مع الإقليم تصب الحصة الكاملة في الخزينة الفيديرالية». ويتمثل العامل الآخر، وفقاً لما قالت «بالتوجهات الجديدة التي حرصت على إرساء مبادئها لجنة الاقتصاد والاستثمار عبر قانون الاستثمار الذي أتاح لكل الوزارات من دون استثناء بالتحول من الاعتماد على الخزينة في تأمين نفقاتها إلى وزارات منتجة، في حال استغلت أراضيها وعقاراتها والموارد التي تشرف عليها، وهي في معظمها غير مستغلة». وعن خفض حصة الإقليم من الموازنة، ذكّرت البجاري بأن «حصة الإقليم كانت 12 في المئة قبل عام 2005، لكن ضغوطاً سياسية مورست لرفعها إلى 17 في المئة، إلا أن الحكومة الحالية احتسبت الحصة وفق التعداد السكاني لكل محافظة في الإقليم، فيما وضعت النفقات التشغيلية على أساس ما سُجل من درجات في وزارة المال لموظفي الإقليم الفيديراليين، وعددهم 600 ألف». لكن لفتت إلى أن الإقليم «يطالب بأكثر من مليون و200 ألف». وسألت «كيف تتحمل الموازنة رواتب موظفين عيّنهم الإقليم من دون الرجوع إلى الحكومة الفيديرالية، وهو كان يرفض أي تنسيق مع الحكومة المركزية في مفاصل الدولة، فكان يجبي رسوم دخول البضائع من المنافذ ويستوفي الضرائب لمصلحته، ويمنع مفتشي ديوان الرقابة المالية من زيارة الإقليم، فهو يطالب بالأموال ولا نعلم مصيرها، إذا كانت توزع فعلاً كنفقات تشغيلية أم لا». وكشفت وثائق مسودة مشروع قانون الموازنة، عن خفض حصة إقليم كردستان من الموازنة الإجمالية من 17 في المئة إلى في12.67 في المئة، مرصودة للنفقات الجارية والمشاريع الاستثمارية في محافظات الإقليم فقط». وأظهرت الوثائق بلوغ الضرائب على الدخل والثروات في الموازنة، نحو 4.5 تريليون دينار والضرائب السلعية ورسوم الإنتاج 2.68 تريليون، وحصة الموازنة من أرباح القطاع العام 927 بليون دينار. واعتمدت سعر 43.4 دولار لبرميل النفط، بطاقة إنتاجية بلغت 3.89 مليون برميل، لتتصدر الإيرادات النفطية والثروات المعدنية المجموع، مقتربة من 73 تريليون دينار. واحتجّت حكومة كردستان العراق على خفض حصة الإقليم، معتبرة ذلك «مخالفة دستورية»، داعية إلى مشاركتها «في إعداد هذه الموازنة». وأشارت في بيان صحافي اطلعت عليه «الحياة»، إلى أنها «مع دعوة رئيس وزراء العراق حيدر العبادي إلى استعداد الحكومة الاتحادية صرف المستحقات المالية لموظفي الإقليم والمنتسبين إليه». ورأت أن هذه المبادرة «تقضي بتأمين المستحقات المالية لموظفي الإقليم المقدّر عددهم ب1.249.481 موظفاً، وتساوي مستحقاتهم مبلغاً قيمته 800 مليون دولار بموجب التسجيل الحقيقي لهم». وطلبت من البرلمان العراقي «عدم المصادقة على القانون الذي أُعدّ من دون مشاركة الإقليم». ولاحظت أنها «للمرة الأولى منذ عام 2003 تتغيّر عبارة «إقليم كردستان العراق» الواردة في الدستور من مسودة قانون الموازنة واستُخدمت بدلاً منها المحافظات التابعة لإقليم كردستان». وأكدت أن ذلك «مخالفة واضحة للدستور الذي أُقر عند نفاذه بإقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليماً اتحادياً، كما منح سلطات الإقليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كإقليم وليس كمحافظة». وكشف رئيس كتلة الجماعة الاسلامية الكردية في البرلمان العراقي ومقرر اللجنة المالية البرلمانية احمد حاجي رشيد، عن أسباب تقليص حصة إقليم كردستان من الموازنة المالية العراقية لعام 2018. وقال رشيد في بيان صحافي، «لا تزال مسودة مشروع قانون الموازنة قيد التصويت عليها في مجلس وزراء العراق، لتصبح حينها مشروع قانون، ومن ثم يُرسل إلى مجلس النواب للتصويت والمصادقة عليه، ويُفترض أن يكون تسلّمه أمس». وأعلن رشيد أن «حصة الإقليم من موازنة العام المقبل، تصل إلى 12.67 في المئة»، عازياً سبب انخفاض هذه الحصة إلى أن «الموازنة تُوزّع على أساس نسبة السكان في المناطق، وكان الإقليم «يحصل على 17 في المئة منذ العام 2005 وحتى هذه السنة». وأوضح أن «تقليص حصة الإقليم جاء بعدما سيطرت القوات العراقية على المناطق المتنازع عليها»، ووفق حديث رشيد «يتناسب التراجع في حصة الاقليم مع نسبة عدد السكان اللذين القاطنين في المناطق التي فرضت بغداد سيطرتها عليها». كما يبدو أن بغداد «ستتعامل مع محافظات الإقليم مثل أي محافظة عراقية». ووفق الوثائق، تُقدّر الإيرادات ب5 تريليونات و331 مليون دينار بسعر 43.4 دولار لبرميل النفط وبطاقة إنتاج 3 ملايين و888 ألف برميل، من ضمنها 73 تريليون دينار من الإيرادات النفطية. وأوضحت مسودة قانون الموازنة، أنها وُضعت على أساس معدل تصدير للنفط مقداره 3 ملايين و800 ألف برميل يومياً، من ضمنها 250 ألف برميل من نفط إقليم كردستان، و300 ألف برميل من نفط محافظة كركوك، إذ بُنيت الموازنة على أساس سعر تخميني للبرميل يُقدر تقريباً ب43 دولاراً، كون النفط لا يزال يشكل المورد الأكبر للموازنة. وقالت العضو في اللجنة القانونية النيابية ابتسام الهلالي، «ستشهد موازنة العام المقبل تقليصاً في الاقتطاعات من رواتب الموظفين وما أُشيع عن زيادتها الى 5 في المئة من الراتب غير صحيح»، موضحة أن «الاقتطاعات كان توجه للحشد الشعبي والنازحين، فيما عادت غالبية النازحين إلى مناطقهم وباتت للحشد موازنة خاصة». وأشارت العضو في اللجنة المالية النيابية محاسن حمدون، إلى أن «الحكومة مستمرة بسياسة التقشف لأن الأزمة المالية مستمرة حتى العام المقبل، وساهم ارتفاع أسعار النفط إلى 46 دولاراً، بتحقيق فائض في الموازنة، إضافة إلى الاقتطاعات من رواتب الموظفين والضرائب والتي كانت تجبى، وتذهب إلى تمويل متطلبات الحشد الشعبي والنازحين». ولفتت إلى أن «الفائض الذي اصدرت الحكومة وثيقة عنه هو غير ملموس، لأن الإقليم غير ملتزم حتى الآن بقراراته مع المركز من باب الإيرادات والضرائب والجبايات وتصدير النفط». وأكدت أن «على الحكومة الالتفات جدياً إلى المنافذ الحكومية، كونها تمتلك إيرادات عالية جداً من الأموال، وضرورة التضييق على المنافذ لعدم هروب تلك الأموال من خلال بعض المتنفذين في الحكومة». ووجه رئيس الوزراء حيدر العبادي في وقت سابق، الكادر المتقدم في وزارة المال، بإجراء مراجعة دقيقة لاقتراح الموازنة العامة الاتحادية لعام 2018، وخفض النفقات التشغيلية للرئاسات الثلاث وللوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة إلى الحدود الدنيا، لضمان تأمين النفقات الأساسية. كما شدد على «ضرورة تأمين الالتزامات الدولية والوطنية في تسديد مستحقات القروض وفوائدها، والاستمرار في تأمين مستحقات المقاولين». وطلب العبادي «العمل على تعزيز الإيرادات غير النفطية من خلال تفعيل النشاطات المختلفة وزيادة الإنتاجية، وتأكيد تنشيط القطاع الخاص بما يمكّنه من أداء دوره المنشود في تحسين الأداء الاقتصادي، ورفع مساهمته في الناتج المحلي الوطني». وكان البنك الدولي وضع شروطاً على العراق عام 2015- 2016 في مقابل إقراضه لسد عجز موازناته المالية، ومن ضمن الشروط الحد من الدرجات الوظيفية وإيجاد موارد مالية بديلة عن النفط، وخفض النفقات وتشغيل الشركات المملوكة للدولة.