قُدِر ما ضخته الحكومة في أوردة وشرايين الاقتصاد السعودي بما لا يقل عن تريليون ريال خلال هذا العام فقط، وهو ما بين موازنة وجملة من المشاريع الاستثنائية التي قدمها الملك لشعبه بعد عودته بسلامة الله من رحلته العلاجية. هذا «التريليون» سيصب في غالبه في البنية التحتية وفي مشاريع مقاولات كبرى، وعلى رغم هذا الضخ الهائل إلا أن مخرجاتها الوظيفية تبدو ضئيلة جداً بالمقارنة مع الآمال التي يعلقها المجتمع والدولة على تلك المشاريع. وللصدق فإن أكبر تلك الشركات التي ينتظر السعوديون منها آلاف الوظائف، تطل شركات «سعودي أوجيه وابن لادن وسابك»، إضافة إلى بقية الشركات الصناعية التي تتنافس كل عام لإثبات أنها إحدى أكبر 100 شركة في المملكة من حيث رأس المال ومن حيث عوائدها السنوية. كنت وما زلت أتوقع أن تتحول شركتا «سعودي أوجيه وابن لادن» على الأقل كأكبر محركات إنتاج الوظائف في المملكة بشكل دوري وسنوي، وللعارفين وللقريبين من الشركتين سيجد أنهما تحتلان سقف المشاريع السعودية منذ 30 عاماً على الأقل، إلا أن «سعودتهما» لا تزال مطلباً شعبياً مقارنة بعوائد الشركتين التي تحولت إلى مئات المشاريع خارج المملكة، من دون أن يكون للسعوديين حظ منها. فالشركتان الكبيرتان حولتا عوائدهما البليونية إلى مشاريع ضخمة حول العالم، من دون أن تلتفت إلى الداخل إلا باعتباره مشروع مقاولات كبيراً يتم اقتسام كعكته من دون أن يكون لأبنائه إلا النزر اليسير من العوائد. وبنظرة داخل هاتين الشركتين قليلاً نرى أنهما تقدمان رواتب مرتفعة جداً ومميزات هائلة لموظفيهما، تبدأ من الرواتب ولا تنتهي بالتعليم الجامعي خارج المملكة، مروراً بالسكن المرفه والسيارات الثمينة وتذاكر سفر للموظف وعائلته إلى خارج المملكة، إلا أنها تُقدَم في الغالب والأعم للموظفين الأجانب. ونحن هنا لسنا ضد تلك المميزات لإخوتنا الأجانب ولا تقدير خبراتهم، لكننا في الوقت نفسه مع إخوتنا السعوديين من المهندسين والمشرفين الذين لا يأخذون أرباع ولا أخماس ما يقدم للآخرين، ومن ثم يصبح لديهم رد الفعل هذا الذي لا يريد العمل في شركة تميز بين موظفيها لمصلحة جالية ضدهم. إن إعادة هيكلة هاتين الشركتين على الأخص وغيرهما من الشركات الكبرى، التي تحظى بعقود تتجاوز عشرات البلايين، أمر حتمي لتعديل كفة التوظيف والاستحقاقات المقبلة التي يجب على الشاب السعودي أن يحظى بها. كنت أتخيل وأتمنى أن تتبنى هاتان الشركتان معهداً لتأهيل السعوديين لسوق المقاولات، يُعد أبناءنا لهذا العمل مع خطة لمدة عشرة أعوام على الأقل، يتم من خلاله توطين الوظائف الفنية بعد التأهيل، فمشكلتنا أن السعوديين من الشباب المتقدم للوظائف يبدو فاقد القدرة، وهو وإن كان عيباً تعليمياً، إلا أنه من واجب الشركات التي تستقدم عشرات الآلاف من العمالة غير المدربة وتقوم بدمجها وتأهيلها، أن تقوم بالمجهود نفسه مع نية صافية وحقيقية. إن مثل هذه الحلول، إضافة إلى حزمة ابتعاث سنوي لمئات من المهندسين من خلال برنامج حقيقي، يعد أولئك الطلاب على رأس العمل في الشركة، هو باب «السعودة» الحقيقي. أما التذمر من عدم إقبال السعوديين على وظائف فنية فسنبقى ندور في الدائرة نفسها حتى تتحصل الشركتان على عقود أخرى ببلايين الريالات في الموازنة المقبلة، وستبقى الأعذار نفسها بلا حل، وسيبقى جزء منا يصدق تلك الكلمات المشروخة القائلة بأن السعودي لا يمكن أن يعمل سباكاً ولا دهاناً. لكنني أقول لهم علموهم ودربوهم وخرجوهم بدبلوم فني، ومن ثم وظفوهم براتب وحقوق واضحة، وسوف نرى جميعاً أن أولئك الشباب يتسابقون للعمل لديكم. هل يعلم الهاربون من «السعودة» أن هناك تجربة وظائف فنية عسكرية في الجيش والأمن العام من طباخين وحلاقين وغيرها يشغرها سعوديون، وهل يعلم مسؤولو «شركات البلايين» كيف ينجح السعودي نفسه في وظيفة فنية في الجيش ولا ينجح عندهم؟ الجيش أهّله ودرّبه ووضع له سلماً وظيفياً واضحاً، ولذلك أقبل على تلك الوظائف من دون خجل ولا وجل. [email protected]