يشهد العالم العربي انتفاضات شعبية ضد حكام قمعوا وسرقوا وقتلوا واعتقلوا أبناء شعوبهم، فأتت المحاكم الشعبية لقلب الأنظمة أو للثورة عليها ومقاومتها. فواقع الحال أن لبنان كان يتخوّف من محكمة دولية لمحاكمة الضالعين في اغتيال رفيق الحريري ومن نتائجها على لبنان. فهذا أو ذاك من الذين توقعوا الفتنة بسبب المحكمة الخاصة بلبنان لم يتوقع يوماً أن المحاكم الشعبية في دول المنطقة ستسبقها، فالآن لا يتكلم أحد عن المحكمة الخاصة بلبنان ونتائجها لأن المحاكم الشعبية جاءت أسرع من القضاء الدولي. فها هي الشعوب العربية تقاوم القتل والاغتيال والفساد والقمع وحرمان الحرية، لأنها نضجت وهي غير راضية عن استمرار نهج سياسي من العصور الحجرية في عصر يشهد حداثة الاتصالات والإنترنت وانتقال المعلومات وانفتاح الشعوب العربية على هذه الحداثة. لقد تخوف جزء من الشعب اللبناني من احتمال حدوث فتنة بسبب نتائج المحكمة الدولية التي تنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وبقية الاغتيالات التي طالت سلسلة من الشهداء لأنهم كافحوا من أجل الحرية والسيادة وحرية القلم، وها هي المحاكم الشعبية في دول عدة تأتي من أجل وقف هذه الممارسات. فالانتفاضات الشعبية في الدول العربية مستمرة والقاضي دانيال بلمار مستمر في درس نتائج تحقيقاته مع فريق القضاة، وهو يرى أن الفوران الثوري سبق الفتنة التي وعدت بها بعض الأحزاب اللبنانية نتيجة تحقيقاته. فهؤلاء الذين تكلموا عن تسييس المحكمة وتسييس التحقيقات والنتائج، هل يعتبرون أن المحاكم الشعبية القائمة حالياً في دول عدة كلها مسيّسة وكلها أعمال خارجية وكلها مؤامرات، وأن انتفاضات ليبيا وميدان التحرير وتونس وغيرها من الدول كلها مؤامرات خارجية كانت من أفعال «جرذان» على حد قول القذافي؟ أم أن «الجرذان» هم فريق الأنظمة في هذه الدول الذي قتل وقمع وسرق واعتقل وتمسك بكرسي الحكم من دون مبالاة بإرادة شعب كان صامتاً لعقود وقد استيقظ لأنه طفح الكيل من القمع والقتل والفساد؟ واليوم بعد أن سبقت المحاكم الشعبية المحكمة الدولية، لم تظهر نتائج هذه المحكمة بعد ولكنها تبقى موضوعاً أساسياً لأنها تواكب المحاكم الشعبية التي سبقتها. فالانتفاضات القائمة اليوم أدت إلى تناسي الحملات على المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري وشهداء لبنان. ولكنها اليوم وعلى رغم هذا التناسي تأخذ كل معناها في ظل ما يحدث في العالم العربي. فلا يمكن أن تستمر الأنظمة في القتل والاغتيال والهيمنة والقمع والتخويف. فالذين نظموا تفجير طائرات مدنية مثل القذافي وجماعته، والذين تمت مسامحتهم في الماضي في الغرب الذي اهتم بالتجارة معهم، سيأتي يوم محاكمتهم عاجلاً أو آجلاً. وغيرهم كثيرون من المسؤولين عن قتل أبرياء، سيحاكمون عاجلاً أو آجلاً. أما النظام الإسرائيلي الذي يرتكب يومياً الجرائم بحق الشعب الفلسطيني فإذا لم يستيقظ ويرَ ما يجري حوله وإذا استمر في سياسات القمع والقتل والاغتيال فهو أيضاً سيأتي دوره لأن العالم تغيّر!