يفاجأ الداخل الى مركز محفوظات تيزنيت في المغرب، بالبرودة داخله غير الناجمة عن مكيفات هواء بل عن تقنيات قديمة تستخدمها المهندسة المعمارية سليمة ناجي المتخصصة في البناء المُراعي للبيئة. وتعاني هذه المنطقة الواقعة في جنوب المغرب من مناخ قاحل ودرجات حرارة قصوى. وتوضح المهندسة وعالمة الإناسة التي تعتمد على المواد المتاحة محلياً والمهارات التقليدية «الدرس الأول هو القيام بما يتكيّف مع المناخ». ولمركز المحفوظات، اختارت المهندسة العمارية حجارة الطوب بدلاً من الإسمنت مع فتحات عالية تسمح بانتشار الهواء ودعامات لحماية الواجهة وممراً بيئياً يساهم في عذوبة الجو من خلال نباته ونوافيره. وتقول المعمارية الحاصلة على إجازة في علم الإناسة والتي سبق لها أن رممت أبنية قديمة عدة: «أنا أنظر الى ما يستخدم في المنطقة بدلاً من استيراد أشياء من أماكن أخرى». ولديها دائماً أولوية مزدوجة: الحفاظ على التقاليد والبيئة. وهي لا تفهم «كيف أن الناس توقفوا في مرحلة ما عن البناء بمواد محلية ولماذا يدير الناس ظهورهم لإرثهم معتنقين فكرة التطوير وهو تطوير سيئ». وترفض سليمة ناجي التخلي عن هذا الإرث من التربة المدكوكة الى الحجارة والكلس وخشب أشجار النخيل. ودرست ناجي، وهي من أب مغربي وأمّ فرنسية، في المدرسة الوطنية العليا للهندسة المعمارية في باريس وفي كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية. وبدأت تستخدم هذه المواد التقليدية في مشاريع مع أفراد. وتقول إنها أدركت بعد ذلك أنه «من الجيد البناء للأغنياء، إلا أن المشهد الخارجي يتفتت» وينبغي الاهتمام به. في منطقة الأطلس الصغير، رممت المهندسة المعمارية القصور والمساجد القديمة ومخازن الغلال الجماعية. ومن بين نحو 15 مخزناً للمحاصيل تولت ترميمها، هناك مخازن «أمتضدي» التي صورها يان ارتوس برتران في عمله «المغرب من الجو». وفازت سليمة ناجي أيضاً باستدراجات عروض. ففي تيزنيت الواقعة على مسافة مئة كيلومتر جنوب اغادير حيث تقيم في منزل تقليدي صغير، صممت المتحف الجديد ومركز المحفوظات ودار البلد، وهو عبارة عن فسحة لبيع المنتجات المحلية وتنظيم عروض. وقد بنيت كلها بطريقة تقليدية. إلا أنها اضطرت لاستخدام الإسمنت، إذ إن القانون المغربي يفرض ذلك على كل المنشآت التي تستقبل الزوار. لكنها اكتفت بالحد الأدنى. وتقول في هذا الصدد: «لا أعرف لمَ تعطى هذه المادة هذه الأهمية، إذ إنها من دون قيمة تاريخية أو مناخية أو جمالية، وهي مكلفة وتُشعر القاطنين بالبرد في الشتاء والحر في الصيف!». المهم بالنسبة إلى المهندسة المعمارية «أن التقاليد حية في المغرب، إنها تتراجع نعم لكنها لم تندثر مثل مناطق أخرى». وفي امتضدي، تعاونت مع حرفيين محليين وكان التحدي في إقناع الشباب بتعلم هذه التقنيات. وترى ناجي أن «تشكيل شبكات سيوفر فرص عمل»، وتعتبر كذلك أن تطوير البحث سيسمح بتحسين المواد والتقنيات المحلية وتكييفها. وتؤكد أن مهمتها تقوم على طمأنة الأشخاص الذين يشككون في المواد المحلية والتقنيات القديمة. فقد قيل لها إن ما شيدته لن يصمد مع هطول الأمطار. لكن في الواقع إذا تم البناء بطريقة جيدة وخضع للصيانة المناسبة، يمكن هذه المنشآت أن تصمد أكثر من الإسمنت، مثل أسوار الرباطمسقط رأسها العائدة إلى آلاف السنين. والعام الماضي، استغلت سليمة ناجي فرصة انعقاد مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين في مراكش من أجل الدعوة الى «هندسة معمارية مختلفة»، مع «نشر بدائل لنمط حياة يستند الى الإسمنت فقط». وهي تقول إن الوضع يتطور وإن ببطء، «فقد التقيت أشخاصاً يرغبون في التغيير في هذا البلد ويرغبون في شيء جميل وذكي، شيء يتطلع الى المستقبل من دون أن ينسى الماضي».