يشهد مهرجان جدة التاريخية الذي انطلقت فعالياته، مشاركة 3 جامعات سعودية في ورش عمل مكثفة عن اسرار المباني التاريخية او ما يسمى بالمباني الحجازية، من حيث كفاءة البناء التي لا توجد في كثير من البيوت الحديثة. وخصصت الجامعات الثلاث جامعة الملك عبدالعزيز، جامعة الحكمة وجامعة عفت عشر مهندسات متخصصات في الهندسة المعمارية والديكور لشرح اهمية تلك المباني وقوتها حيث يعود تاريخ بناء بعضها الى 700 عام. فك وتركيب المهندس طارق شلبي رئيس الفريق عضو لجنة السلامة يقول ان ما يحدث في المنطقة التاريخية يعد نقطة تحول مهمة، اذ ان الترميمات التي تمت تعد من المبادرات في مجال التحسين والتطوير وهي اكبر من مجرد ترميم بل منظومة اكبر في النهج العلمي الهندسي. ولفت الى ان اكثر البيوت الشامخة في المنطقة التاريخية فيها فن وعلم واثبتت الانظمة الانشائية انه يمكن فك وتركيب هذه البيوت واعادة استخدامها، وقال ان اسرا عريقة عاشت وتركت تاريخا ثقافيا ثريا، ولا بد من ادراك القيمة المعرفية للمنطقة داعيا الى استنساخ تجربة بناء المباني التاريخية في البيوت الجديدة لمعرفة اسرار وفنون البيت الحجازي. واضاف المهندس شلبي، نريد الوصول إلى استخدام التقنية في تحسين سير العمليات واستخدام البيانات الجغرافية في جميع التطبيقات. سعد وسعيد المهندسة الدكتورة ايمان بدر اعتبرت قصة العمارة في جدة القديمة ملحمة خالدة ذات عناصر متميزة ودلالات حاضرة عن مدى عراقة هذا المجتمع، وما يتمتع به أبناؤه من براعة الصنعة وحس ذوقي رفيع، كما مثلت جدة موطنا من مواطن الثراء الفني لأعمال الزخرفة والأساليب الفنية للخشب بالحجاز، كما يمثل الشكل المعماري لمدينة جدة القديمة محصلة تراث معماري عريق، ويتفق معها طارق رجب ويضيف، ان المؤرخين وصفوا جدة جيدا، فقد ذكر محمد لبيب البتنوني أن جدة تبدو للقادم من البحر على مسافة ساعتين بيضاء ناصعة، وفى جنوبها قرية صغيره تسمى النزلة كلها أكواخ ويسكنها البداة الأعراب، كما تقع قرب المدينة جزيرتان جزيرة سعد وجزيرة سعيد، ويقع فيهما الحجر الصحي لثغر الحجاز، كما وصف مساكن جدة بأنها أشبه بمساكن مصر في عهد المماليك، تحتوي على غرف كبيرة واسعة ذات سقوف عالية ولها شبابيك طويلة وعريضة على شكل المشربيات تسمى الرواشين. رواشين وقلل المهندسة ايمان باعبدالله تقول إن التراث المعماري لمدينة جدة القديمة تأثر بحضارتين مجاورتين الفرس والأتراك، ومن جانبها تقول المهندسة تسنيم سمرقندي ان واجهات مباني جدة تغلب عليها واجهة واحدة أو واجهتان، والقليل منها أكثر من واجهتين، وتحدد الواجهات حجم وعدد الرواشين في كل بيت، والمعروف أن الشبابيك تعتبر منفذا للهواء والتنفس والفرجة والمراقبة، وكان السكان يضعون فيها شراب الماء (قلل) على قاعدة خشبية مخصصة تسمى المرفع، والبعض يضع فيها مراكن «أصص» من الفخار أو التوتوه، وبها شيء من الزرع والورد البلدي لينعش المجلس. واضافت ان الرواشين كانت أكبر بروزا (وأذكر أنني حينما كنت طفلة كنت أقضي أجمل الأوقات مستمتعة بالنظر من الشيش لمشاهدة ما يدور فيزوار الشارع، كما أتذكر أننا كنا حينما تشتد حرارة الجو نقوم بتبليل الشراشف بالماء وننشرها في الشبابيك لتلطيف الهواء). بحر الطين المهندسة غفران محبوب رأت أن أحجار البناء كانت عادة من حجر الكاشور، وهو الحجر المنقبي الذي كان يستخرج من الرصيف الصخري المرجاني الضحل لساحل البحر الأحمر في موقعين في شمال بحر الأربعين «النقبة» وعند شاطئ الرويس، حيث كانت الملاحات لاستخراج ملح الطعام. واضافت أن بديل الأسمنت كان الطين الأسود اللزج المستخرج من قاع بحر الأربعين «بحر الطين»، كما كان يستخرج أيضا نوع قوي من الحجر الرفادي يعرف بالحجر البحري، وكان يستخدم في بناء البديل أما الأخشاب فكانت من أخشاب شجر الدوم التي كانت تورد من الطائف والعرعر من عسير وأخشاب النخيل والزان والجاوي التي استخدمت في أعمال الشبابيك والأبواب واللوحات الزخرفية والتأسيسية والمناور أو من شجر القندل أو خشب التيل، وهي من الأخشاب التي ترد مع سفن الحجاج والبضائع من جنوب شرق آسيا وتستخدم هذه الأخشاب عادة في التسقيف سواء كألواح أو عوارض، كذلك في صناعة الرواشين والنوافذ وبعض الأثاث الداخلي مثل صناديق السيسم أو السحارات أو الركالة. فحل الدرج وعن مبادئ العمارة في بيوت جدة القديمة تؤكد المهندسة لينا كردي بان المباني التاريخية كانت تماثل المبادئ العصرية وأسسها النظرية رغم فارق الإمكانات، حيث كان يقوم البيت على أساس إنشائي سليم ويقوم ببناء حائطين متقابلين يترك بينهما فراغ يملأ بالأحجار والطين، وهو أسلوب بناء سور جدة وكان هذان الحائطان يعرفان ب (فحل الدرج)، وعلى الفحل بقية حوائط البيت التي تبنى من الحجر المنقبي والطين وكسر الحجر الصغير (الحشو). وكانت الحوائط تبنى على مراحل يفصلها أو يدعمها ويقويها هيكل متصل من الخشب، يتم به ضبط المناسيب الأفقية والرأسية للحوائط والواجهات حتى لا تميل مع الارتفاع، وهو أسلوب يتفق مع الأساس النظري للمباني العصرية التي تبنى فيها أولا نواة من الخرسانة المسلحة تستخدم كبئر للمصعد، ويرتبط به هيكل مترابط من الكرات الصلبة بهيئة العمود الفقري والضلوع، إذ يمثل بئر السلم العمود الفقري للإنسان فيما يمثل الحوائط والكرات التي تشكل وتربط باقي البيت ضلوع القفص الصدري. ملاقف الهواء وتطرق المهندس محمد عزت الى أن الإبداع الفني لم يقتصر على جانب هندسة البناء والتخطيط المدني، وإنما ارتفع إلى جانب الحس الفني المتمثل في التصاميم الفنية البديعة لواجهات البيوت والنقوش المستوحاة من فنون الخط العربي وفروع النباتات والتشكيلات المثلثة والمربعات المتداخلة المعروفة في المساجد والقصور والدور الكبيرة في أنحاء العالم العربي والإسلامي. وكانت النقوش تظهر أكثر في واجهات الدور وفوق أبوابها ومداخلها بالجبس والجير وفي أبوابها وفتحات ملاقف الهواء، وفي رواشينها من الخشب المشغول والمنحوت وفي صوالين الضيوف في الديوان والمجلس في الحوائط والأسقف وفي النوافذ الخشبية العريضة والعالية حفرا على الخشب وتنسيقا فنيا بديعا لأطره، كما تجد هذه اللمسات في حوائط الأسطح من الخارج سواء الخشبي منها أو الجبسي.