تقول النكتة إن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عيّن بعد قيام ثورة 23 يوليو في مصر، ضباطاً لإدارة المؤسسات والشركات الصناعية. وفي عيد العمال قرر الرئيس زيارة أحد المصانع وإلقاء خطاب بهذه المناسبة. قبل وصوله اجتمع رئيس المصنع بالعمال وقال لهم: إذا سأل سيادة الرئيس عن أحوالكم قولوا له، «حاجة ما حصلتش يا ريس، كله تمام يا ريس، ربنا يكرمك يا ريس». وبالفعل، جاء الرئيس وألقى الخطاب الحماسي، وسأل العمال عن وضعهم، فردد الجميع وصية الضابط، باستثناء عامل خرج عن السياق المقرر، وسأل الرئيس عبدالناصر قائلاً: «لحد امتى يا ريس حنبقى مبسطوين كده». هذه النكتة يبدو أنها ستتكرر في الثورة الجديدة في مصر. وربما وقف أحد البسطاء وعاود طرح السؤال على «شباب الثورة» قائلاً : «لحد امتى حنبقى مبسوطين بالثورة دي». فمصر لم تزل في الشوارع والميادين منذ 25 كانون الثاني (يناير). حشود ومسيرات واعتصامات، من جمعة الى أخرى وصولاً الى «جمعة إنقاذ الثورة»، التي شهدت أغرب محاكمة في الهواء الطلق للرئيس السابق حسني مبارك، وأبرز رجال الحكم في عهده، وتولى المستشار محمود الخضيري، رئيس نادي قضاة الإسكندرية السابق، رئاسة المحاكمة الشعبية، ووجهت المحكمة تهم الخيانة العظمى وقتل المتظاهرين والفساد وسرقة أموال الشعب والاعتداء على الدستور وتزوير الانتخابات، وطالب منظموها بالحكم بإعدام المتهمين، لكن الخضيرى قرر تأجيل النطق بالحكم إلى الجمعة المقبل. كأنه يقول للمجلس العسكري، إفعل، أو دعنا نفعل، ناهيك عن أن علاقة شباب الثورة، بالمجلس العسكري الحاكم انتقلت من التلميح الى التصريح، فأصبح هناك من يتحدث علانية عن تخلي الجيش عن وعوده، وفتور حماسته لمبادئ الثورة. بعض المصريين يرى ان الثورة لم تحقق أهدافها حتى الآن، فيما يعتقد آخرون بأن هناك تباطؤاً غير مبرر فى تنفيذ مطالب الشعب، ويحذر من «القوى المضادة للثورة». وثالث يطالب باستئصال كل من له علاقة بالنظام السابق. كأننا أمام معاودة تكرار تجربة استئصال البعث في العراق، التي تحولت وسيلة لتصفية الحسابات وشق المجتمع العراقي، فضلاً عن انه يستحيل ملاحقة كل مسؤول في عهد مبارك. من الصعب أن يصبح الشارع هو مكان صناعة القرار. من الصعب استعذاب الرفض والغضب وتوقف الحياة بانتظار شيء غير واضح وغير متفق عليه.