أوضح الفنان التشكيلي جلال خيرالله أن فن الكاريكاتير السعودي يعيش واقعًا ضبابيًا بسبب غياب جهة محددة ترعى حقوقه، فهو ما زال موزعًا بين الصحافة والفنون التشكيلية الأخرى دون تحديد قاطع إلى أيهما ينتمي، مبينًا أن الحرية شرط أساسي أمام عملية الإبداع عامة وفن الكاريكاتير خاصة، مطالبًا بتضمين هذا الفن في مقررات الفنون بالمدارس الابتدائية، وبقية المراحل الدراسية.. كذلك أشار خيرالله إلى أن الساحة التشكيلية السعودية ماضية في الطريق الصحيح إلا أن البطء أبرز ما يعاب عليها، لافتًا إلى أن هناك العديد من المظاهر السلبية التي تطفو على سطح المشهد التشكيلي ومن بينها اقتحام من سماهم «التجريديين الجدد»، مبينًا أنهم لا يملكون الحد الأدنى من الموهبة التي تجعل منهم فنانين بهذا الحضور في الساحة.. الفنان جلال له إسهامات عديدة تشكيليًا وفي مجال الكاريكاتير من واقع مشاركاته داخل وخارج المملكة حيث شارك في معرض مشترك بأستراليا مع فنان ياباني وآخر كولومبي، كما شارك في معرض بالأردن.. العديد من محطات خيرالله وآرائه حول الساحة التشكيلية ضمن هذا الحوار.. غوص في الذات * أنت موزّع الكاريكاتير والتشكيل.. فأين تصنف نفسك؟ ** من المؤكد أنني لا أستطيع أن أصنف نفسي، فأنا رسام أرسم ما تمليه عليَّ مبادئي وأفكاري بأي طريقة كانت، سواء كان فنًّا تشكيليًا أو فن الكاريكاتير، فكلاهما إحساس يخرجه الفنان من فكرة ومبادئه وثقافته.. * هناك من يزعم بأن فن الكاريكاتير يختلف عن الفن التشكيلي؟ ** هذا كلام غير صحيح، ففن الكاريكاتير هو قسم أو مدرسة من الفنون التشكيلية، وفن الكاريكاتير في عمومه يكاد لا يختلف عن دور الفنون التشكيلية البصرية الأخرى من حيث الغوص عميقًا في الذات الشخصية الجامحة للفنان وابتداع طريقة معينة للتعبير عن المكنونات الفكرية للفنان. إن لكل فن خصوصية، وللكاريكاتير خصوصيته التي تميزه عن الفنون الأخرى بشتى أنواعها وأشكالها ألا وهي الجهد الذي يعطيه هذا الفنان، كونه رسامًا من جانب ومن جانب آخر صحافي يطمح بتفجير السخرية لدى المتلقي حتى ولو بدت سوداء في الكثير من الأحيان بأسهل خطوط وأقل رموز. فنان الكاريكاتير يضطر إلى ملاحقة الحدث اليومي وأحيانًا يحاول استباقه، ففنان الكاريكاتير في شكل من الأشكال مؤرخ ومحلل وناقوس خطر، كل ذلك بطريقة خاصة سهلة ساخرة. الحقيقة لا تتجزأ * ماذا عن معرضك الشخصي الأول.. وهل يمثل مرحلة انتقالية في مسيرتك الفنية؟ ** سوف أبدأ من نهاية سؤالك؛ نعم هو كما قلت مرحلة انتقالية ولكنها جميلة جدًّا لكونه أول معرض شخصي لي، والجميل فيه أنني قلت في رسوماتي ما لم أجرؤ على أن أقوله في كلماتي، كان اسم المعرض «الحقيقة لا تتجزأ» ناديت به من كان حرًا فاكتشفت أن لا حرية لمن أنادي!! الجوف بلا جمعية * إلى أي سبب ترجع قلة مشاركاتك الفنية؟ ** الحقيقة توجد عدة أسباب؛ أهمها عدم وجود جمعية ثقافة وفنون في منطقة الجوف، وتجد هذا الإقلال بالمشاركات على مستوى المنطقة الشمالية من فنانيها باستثناء تبوك وحائل، أما منطقة الجوف والحدود الشمالية فهما مركونتان على رف الزمن المنسي؛ هذا ما جعلنا نكوّن جماعة الجوف للفنون التشكيلية لتأسيس بنية تحتية فنية تشكيلية بالمنطقة وتحريك المرافق الاجتماعية الراكدة، وعملي كمسؤول إداري بالجماعة أبعدني إلى حد ما عن الحركة التشكيلية في باقي مناطق المملكة؛ ولكن الحمد لله بجهود أعضاء وعضوات الجماعة تخطينا هذه العزلة التي أبعدت فناني الشمال عن المشاركة في المحافل التشكيلية الحيوية في المملكة، وأرجو أن يوجه السؤال لوزارة الثقافة والإعلام: لماذا لا توجد جمعية ثقافة وفنون بمناطق الشمال، هذا سبب أما السبب الآخر فيكمن في توجهي نحو فن الكاريكاتير الذي يأخذ حيزًا كبيرًا من اهتمامي خصمًا على مشاركاتي الفنية. مبادئ وأفكار * مع تعدد المدارس التشكيلية.. إلى أيها تميل ريشتك؟ ** كما ذكرت آنفًا بأني أرسم بما تمليه عليَّ أفكاري ومبادئي؛ ولكنني أركز على شيء مهم في اللوحة ألا وهو الرسالة التي أود إيصالها إلى المتلقي أو القارئ إن جاز التعبير والمحاكاة بين المتلقي واللوحة وجعل حوار بينهما بأي طريقة كانت سواء كانت بالمدرسة السريالية أو الرمزية أو حتى فن الكاريكاتير. حراك بطيء * كيف ترى الحركة التشكيلية بالمملكة؟ ** أراها تتجه نحو الاتجاه الصحيح بوجود الجمعية السعودية للفنون التشكيلية وبرغم بطء الحراك؛ ولكنني واثق أنها ستنطلق عن قريب، لوجود الأستاذ عبدالرحمن السليمان والأستاذ محمد المنيف الذي لا يهدأ لهما بال وهما يديران عجلتها إلى الأمام، ولكن لا أخفيك أن هناك أشياء تزعجني في الحركة التشكيلية لربما تكون فردية ولكنها تسيء إلى المجموعة، ومن ذلك التجريديون الجدد الذين أقحموا أنفسهم بالفن التشكيلي وهم أبعد ما يكونون عنه، بجانب الأنانية وحب الذات والتسلق على انجازات الآخرين وأشياء أخرى أخجل من ذكرها. نشاط فاعل * وماذا قدمت جماعة الجوف للفنون التشكيلية من عطاء للمنطقة؟ ** هذه الجماعة هي الأولى بشمال المملكة وتنطلق من الجوف، وقد قدمت بنية تحتية للفنون الجميلة والبصرية بإمكانيات محدودة، كما حركت الساكن من المرافق الاجتماعية وبحثت عن المبدعين الجدد وهذا هو همها الأول، كما أقامت العديد من المعارض التشكيلية داخل وخارج المنطقة وفعّلت الدورات التشكيلية والندوات النقدية بالفن التشكيلي، فهذه المجموعة تضم فنانين من خارج الجوف وأيضًا من الوطن العربي بحكم أننا قريبون من العراق والأردن وسوريا جغرافيا، كما تضم الجماعة كُتّابًا من المهتمين بالفن التشكيلي. واقع ضبابي * بعد كل هذه التجربة مع فن الكاريكاتير.. كيف ترى مستقبل هذا الفن في المملكة؟ ** كثيرا ما تأخذ كلمة «المستقبل» حيزًا من التفكير لدي، سألت المستقبل ذات مرة من أنت؟ وكيف تكون!! فأجابني أنا حلمك وكياني هدفك.. أعود لسؤالك؛ لن تكون نظرتي متشائمة لمستقبل الكاريكاتير بقدر ما أراها ضبابية، فرسامو الكاريكاتير وخصوصًا المبدعين الجدد لا يوجد لهم مستقبل واضح بعدم وجود جمعية تحتضنهم وتحفظ حقوقهم، فعندما يأتي فنان الكاريكاتير ليشارك بالمعارض التشكيلية يقال له ليس مكانك هنا اذهب إلى الصحافة، وعندما يحمل رسوماته ويقدمها إلى رئيس التحرير يقول له لا يوجد مكان لدينا فيحبط ويتقوقع على ذاته، ومن هذا المنطلق يكون مستقبل هذا الفن ضبابيا، وأوقن يقينًا تامًا بأنه إذا لم يتم احتضان المبدعين الجدد فرسومات الكاريكاتير في صحافتنا ستصبح أو أصبحت أشبه بالمسلسل الممل المتكرر السطحي في كثير من الأحيان، فالمستقبل مرتبط ارتباطًا جذريًا بالمدعين الجدد ليس في للكاريكاتير فحسب بل على مستوى جميع الأصعدة. مهرجان مبهر * على أي وجه تقيّم مهرجان الكاريكاتير الأول بجدة؟ ** بمناسبة هذا السؤال أوجه تحية وشكر وتقدير للأستاذ يحيى شريفي على تبنيه مثل هذه الفعاليات التي نحن كرسامي كاريكاتير بأمس الحاجة إليها، فقد كان هذا المهرجان الأول من نوعه على مستوى المملكة وشارك فيه العديد من رسامي الكاريكاتير، من هم على الساحة الصحافية ومن هم من في الظل، وقد وجدناهم جنبًا إلى جنب في هذا المهرجان، وللمعلومة فقد تم المطالبة من منبر هذا المهرجان بإيجاد جمعية لرسامي الكاريكاتير على هامش الندوة المصاحبة للمهرجان. كما كان التنظيم مبهرًا والحضور رائعًا، والأجمل من هذا وذاك وجود المبدع الصغير الذي خطف الأضواء بين الكبار فاثبت وجوده بروائع أفكاره، فجميع المقاييس كان هذا المهرجان كما الانجاز. بحث عن الحرية * الجرأة أكبر ميزات فن الكاريكاتير.. فما سقف الحرية في هذا الفن؟ ** رغم قلة كلمات هذا السؤال واختصاره إلا أنه يحتاج إجابة بحجم ثقافتنا.. الحرية تختلف بين صحيفة وأخرى ورسام وآخر فهي مسألة نسبية بين هذا وذاك، ولكن هنا أو هناك يوجد مقص الرقيب.. في هذا العصر تحديدًا ومع وجود الاتصالات والإنترنت والأقمار الصناعية والصحافة الإلكترونية أجد أن مقص الرقيب أصبح أشبه بالفزاعة الخشبية التي يضعها المزارعون في حقولهم حتى تخيف الطيور الحرة. فرسام الكاريكاتير أو أي مبدع كان صحافيًا أو كاتبًا أو أديبًا إن لم يجد مساحة الحرية التي تتوافق مع مخيلته فهو كالمكبل أو المعتقل فكريًا، وفي المقابل تجد عرب المهجر ينتجون أعمالًا فنية أو أدبية وصحافية تبهر المتلقي إلى حد الذهول، ليس لشيء إلا لأنهم وجدوا الحرية ليحلقوا بأفكارهم بأريحية، فالحرية هي وقود المبدعين إن جاز التعبير. تأمل الأفق البعيد * برأيك.. لماذا يتجه رسامو الكاريكاتير للاستعانة بالحاسب في إنجاز أعمالهم؟ ** ربما هو مطلب عند رؤساء التحرير، ومن المؤكد أنه شكل من أشكال السرعة في إنجاز العمل، ولكن ثق إن متعة الرسم باليد وأنت ترى لوحتك بين أصابعك أمر أشبه بالتأمل في الأفق البعيد خلف السحابة، ولهذا أتمنى أن يدرس فن الكاريكاتير في مناهج التدريس بالتربية الفنية فالتلاميذ يعشقون الرسومات الكرتونية وهي أساسها كاريكاتير فهي فرصة ليدمج هذا الفن في منهج التربية الفنية كونه الآن تحت التجربة فيكون من خلاله، لدينا قاعدة من رسامي الكاريكاتير وتكون التربية والتعليم في المملكة هي الأولى في العالم في تعليم هذا الفن الراقي.