«الوظيفة العصبية المعرفية تتطلّب نضجاً عصبياً وقدرة معرفية خاصة بكلّ طفل، تستدعي توفّر إطار لساني متعلق بلغته، إذ انّ القوقعات التي تُجلب من الخارج باللّغة الفرنسية أو العربية، تخصّ مجتمعاً آخر غير مجتمعاتنا»، وفق الدكتورة لمياء بن موسى، الأستاذة في جامعة الجزائر رئيسة المنتدى الدولي الأول التونسي–الجزائري للإعاقة السمعية الأرطوفونية، الذي عُقد أخيراً في تونس. وأوضحت بن موسى أنّ الهدف الأساس من هذا النشاط «التأكيد على أهمية تكفّل الطفل الحامل لإعاقة سمعية في اللّغة الأمّ، باعتبار أنّ تقويم النطق هو الاختصاص الوحيد الذي لا يمكن استيراده من الخارج، حيث أنّ كل مجتمع له هيكله الثقافي واللساني الخاص به، ما يقود مباشرة إلى عرض تقويمات موضوعية للقوقعات والاختبارات ضمن مجال لساني خاص بالمجتمعين التونسيوالجزائري». وقد تطرّق المشاركون في المنتدى الذي شارك فيه حوالى 300 مختص، إلى أبرز المواضيع التي تتعلّق بالإعاقة السمعية وأهم المستجدّات، لا سيما ما يتناول التشخيص المبكر والوقاية. مشكلات وحلول وناقش مختصون في 8 ورشات تفاعلية وعشرات المداخلات العلمية والمحاضرات الشفوية، جوانب حديثة عدة في مجال التشخيص المبكر للإعاقة السمعية، والتقويم في العلوم العصبية المعرفية، والمقاربة المتعددة التخصّص الملائمة للّغة الأمّ وإدماج الأطفال فاقدي السمع في النسيج المجتمعي كأشخاص فاعلين والعناية بهم، فضلاً عن التطرق إلى طرق الاستيعاب والتصرّف الذهني، وزراعة القوقعيات، وبرنامج معلوماتي للتكفل بالاضطرابات الصوتية واللّغوية، فضلاً عن العلاج بالفنّ، ضمن الاستعداد لانطلاق أوّل مركز عربي- أفريقي للبحوث والدراسات في الإعاقة السمعية والقوقعة المزروعة، والذي سيكون الأول من نوعه على المستوى العربي والأفريقي. وأشارت المختصة في تقويم النطق التونسية أحلام محمدي، إلى ما يعيشه هذا القطاع من تهميش من قبل الدولة، خصوصاً على مستوى التأطير وتكوين الكوادر التربوية المختصة، والذي كان متوافراً قبل عام 2011، فضلاً عن عدم تفعيل القوانين التي تضمن إدماج المعوّقين في المدارس العادية وسوق العمل، حيث يفرض القانون ضرورة تشغيل 2 في المئة من المعوقين في المؤسسات العمومية والخاصة. وأكدت أنّ «الدولة لم تعد تدعم مراكز تأهيل المعوقين وتنصّلت من مسؤولياتها تجاه هذه الفئة، حيث أن مركز المحمدية الذي تشرف عليه في ضواحي تونس، توقفت فيه ورشتان منذ 3 أعوام، كما أن رؤساء الجمعيات تنصّلوا من المسؤولية، ويبقى الطفل هو الضحية حيث لن يجد فضاء يستقبله ويؤهّله». يذكر أنّ تونس سبقت بلداناً عدة، عربية وأفريقية، في زرع القوقعة، وهي عملية ناجحة عموماً، حيث يتمّ الاهتمام بالطفل بعد الزرع من خلال عمليات تأهيل وتدريب على النطق وتدارك التأخر الحاصل جرّاء الإعاقة. واعتبر محمد الناصر القلالي، مدير معهد متخصص في رعاية فاقدي السمع، أن «المنتدى مثّل فرصة لتدارك النقائص من الجانبين. فنحن في تونس نتميّز في مجال الإدماج المهني أكثر من الجزائريين بحكم الآليات التي وضعتها الدولة في هذا السياق، والتشجيعات على المستوى الاقتصادي، والتضامن الاجتماعي سواء للجمعيات الحاضنة للأطفال حاملي الإعاقة أو للمؤسسات التي تحظى بامتيازات كبيرة لتشغيل المعوقين. في المقابل، نشكو نقصاً في الإدماج المدرسي والذي نجحت فيه الجزائر في شكل لافت. لذا كانت فرصة لتبادل الخبرات والتكامل في المجالين». إدماج مدرسي وفي سياق متّصل، أوضحت المختصة الأرطوفونية الجزائرية هاجر لسبت، أن العمل يتم «بالتنسيق مع أطباء مختصين في تعديل السمع. ونحن نهتم بالأطفال الصمّ الذين زُرعت لهم قوقعات، ونتكفّل بهم في سياق التأهيل والتدريب، مع التركيز على التربية السمعية بعد الزراعة، عبر آليات وطرق وتقنيات وفرناها بطرقنا الخاصة وكيّفناها بما يتماشى مع الأطفال، وتطبيق الأدوات الممكنة لإعادة السمع إليهم. والهدف الأساس توجيه الأطفال بعد علاجهم، وأهلهم أيضاً، إلى مراكز مختصصة، حيث يمكن أن يندمج الطفل في المجتمع تدريجاً، ونبقى على اتصال مستمر مع العائلة حتى يصبح الطفل مواطناً عادياً. وقد حققنا نتائج مهمة جداً ولدينا أطفال متفوقون في دراستهم مع أقرانهم العاديين». «إعادة تربية الصوت» «لغة إعادة تربية الصوت» تعريب للكلمة الفرنسية orthophonie التي تنقسم إلى جزءين ortho rééducation وتعني إعادة التربية Phonie voix وتعني الصوت. أما اصطلاحاً، فهي الدراسة العلمية للاتصال اللغوي وغير اللغوي بأشكاله العادية والمرضية لدى الطفل والراشد، وتهدف إلى تشخيص اضطرابات الصوت والكلام واللغة الشفوية والمكتوبة وعلاجها، من خلال إعادة التربية والتصحيح باستخدام أساليب ووسائل مختصة وبمساعدة مختصين بالطب وعلم النفس وعلم الاجتماع واللسانيات. فهي علم متعدد الاختصاص، كما تهتم بكيفية اكتساب اللغة والعوامل المتداخلة في ذلك، وتلعب دوراً في استشعار الاضطرابات اللغوية والوقاية منها.