تتصاعد الاضطرابات الاجتماعية في اليمن، مع انضمام زعماء بارزين للقبائل وأعضاء في البرلمان ومسؤولين حكوميين إلى المتظاهرين في حضّ الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على التنحي. وفي مسعى منه إلى تهدئة المتظاهرين، وعد صالح، الذي يتولى السلطة منذ عام 1978، بعدم السعي إلى إعادة انتخابه عام 2013 أو تسليم السلطة لابنه. وأصدرت الحكومة اليمنية سلسلة من التدابير الاقتصادية لتحسين مستوى معيشة اليمنيين. وتشمل الحزمة، المتوقع أن ترفع العجز في موازنة عام 2011 إلى 3.75 بليون دولار، زيادة بنسبة 25 في المئة في أجور الموظفين المدنيين والعسكريين، وخفضاً بنسبة 50 في المئة في ضريبة الدخل، ودعماً إضافياً للمواد الغذائية. ولا ترقى التدابير مع ذلك هذه إلى مستوى التوقعات، وتفشل في معالجة القضايا الهيكلية الرئيسة الكامنة وراء الاضطرابات. ولا يزال اليمن أفقر بلد في العالم العربي، إذ يبلغ متوسط دخل الفرد سنوياً 1300 دولار على الأكثر. ويعيش ما يقرب من نصف السكان على أقل من دولارين يومياً. وتملك البلاد أيضاً أسوأ السجلات في المنطقة في مجال التنمية البشرية، بما في ذلك معدل يبلغ 54 في المئة في معرفة القراءة والكتابة، ومتوسط حياة يصل إلى 62 سنة، ومستويات عالية من وفيات الأمهات وسوء التغذية لدى الأطفال. ويعاني اليمنيون أيضاً نقصاً في البنية التحتية وسوءاً في الخدمات المقدمة، فيحصل أربعة من كل 10 أشخاص على الكهرباء، وشخص من كل أربعة على مياه شرب نظيفة. وبمعدل نمو ديمغرافي سنوي يبلغ ثلاثة في المئة تقريباً، يُتوقع أن يتضاعف عدد سكان البلاد إلى 40 مليون شخص بحلول عام 2030. ويبلغ في الوقت ذاته ما يقرب من نصف السكان أقل من 15 سنة، و70 في المئة منهم أقل من 25 سنة. ويُمثّل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 - 30 نسبة 30 في المئة من مجموع السكان، فيما يبلغ ما يقرب من نصف السكان سن العمل. وفيما يأخذ عدد اليمنيين في الارتفاع، لا يشهد وضعهم الاقتصادي تحسناً، إذ أدت إصلاحات التكيّف الاقتصادي التي أجراها اليمن لمعالجة الاختلالات الاقتصادية الرئيسة في البلاد بعد توحيدها في عام 1990 إلى تأثيرات مثيرة للقلق، فالقوة الشرائية تدهورت، وتباطأ الطلب على المنتجات المحلية، وأغلقت مؤسسات تجارية أبوابها. ويُفاقم الاقتصاد الضعيف والمعتمد على النفط التحديات الديموغرافية وتلك المتعلقة بالفقر في البلاد، إذ تُشكّل عائدات النفط نحو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، و70 في المئة من عائدات الحكومة، وأكثر من 90 في المئة من صادرات اليمن. وفشل النمو الاقتصادي غير النفطي في البلاد في الزراعة والتصنيع والتجارة والسياحة، في اللحاق بركب الزيادة في احتياجات السكان والتشغيل. وعلى رغم أن التدفقات الصافية للاستثمار المباشر بلغت ذروتها أوائل التسعينات، مع إقبال المستثمرين الأجانب على استغلال احتياطات النفط اليمني، انخفضت التدفقات لأن تكاليف الاسترداد بالنسبة إلى شركات النفط الأجنبية تجاوزت الفرص الاستثمارية الجديدة. ونفّذت الحكومة في السنوات القليلة الماضية إصلاحات لتحسين مناخ الاستثمار وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية في القطاعات غير النفطية، بما في ذلك تعديل قانون الاستثمار، ومعاملة الاستثمارات الأجنبية واليمنية على نحو متساو، وإعادة هيكلة الهيئة العامة للاستثمار للحد من البيروقراطية، وإقرار تشريعات لمكافحة الفساد. ويمثّل اليمن اليوم مع ذلك بيئة عمل محفوفة بالأخطار نظراً إلى عدم الاستقرار السياسي وضعف سيادة القانون، وعجز الحكومة، والفساد المستشري على نطاق واسع. واحتل البلد المرتبة 146 من أصل 178 بلداً عام 2010 في مؤشر الفساد الذي تعدّه منظمة الشفافية الدولية. ويعاني اليمن أيضاً من ارتفاع معدل البطالة، إذ يبلغ المعدل 16.5 في المئة رسمياً، على رغم أن المعدل غير الرسمي أعلى بكثير على الأرجح، إذ يُقدّر معدل البطالة بين الشباب بنحو 50 في المئة. وينفق اليمن خمسة في المئة فقط من ناتجه المحلي الإجمالي على التعليم، وحتى تلك القلة من الأشخاص الذين يحملون الشهادات الجامعية يفتقرون إلى المهارات المناسبة لتلبية الطلب في السوق. وتُوفّر الزراعة، التي لا تزال بدائية ومقيّدة بسبب موارد المياه الشحيحة، ما يقرب من 30 في المئة من فرص العمل، ويستحوذ القطاع العام على واحدة من كل أربع وظائف. وعانت السياحة، التي تمثّل قطاع تشغيل رئيساً آخر، من الاضطرابات السياسية كذلك. ليس مستغرباً في ضوء كل هذه العوامل أن يكون اليمن فشل في تحقيق الشرعية السياسية وإقامة اقتصاد منتج ومستدام اجتماعياً. وهذا هو السبب في أنه يتعيّن على اليمن أن يبدأ بتطوير خريطة طريق للمستقبل الآن. فيجب أولاً، على اليمنيين ضمان انتقال سلس للسلطة السياسية عندما يترك صالح منصبه، وبناء مؤسسات قوية لفرض القانون ومحاربة الفساد. ويتعيّن ثانياً، وضع سياسات اقتصادية سليمة لمعالجة الفقر والبطالة وسوء إدارة الموارد العامة، تدعمها مؤسسات خاضعة للمساءلة أمام اليمنيين. وبخلاف ذلك، قد يكون مستقبل اليمن مقيداً بشدة من جرّاء انخفاض الإيرادات الحكومية، وضعف قدرات الدولة، والصراعات الداخلية. ويجب أخيراً، على المنظومة الإقليمية لمجلس التعاون الخليجي تحديد سبل تحسين الفرص الاقتصادية وفرص العمل لليمنيين، مثل فتح فرص الوصول إلى أسواق العمل أمام الباحثين عن العمل والاستثمار في اليمن، إذ ستساعد كل هذه الخطوات على جعل مستقبل اليمن أكثر أمناً وستساهم في حل القضايا التي تغذي الاضطرابات الحالية. * باحث أول مقيم في «مركز كارنيغي للشرق الأوسط» - بيروت