على مقربة من ساحة ميدان التغيير في محاذاة جامعة صنعاء، أغلق حمود عبدالله بقالته الصغيرة، مصدر رزقه الوحيد لإعالة أسرته المؤلفة من تسعة أشخاص، منذ شهرين ونصف شهر تقريباً. ويعتقد «العم حمود» أن الاحتجاجات والاعتصامات التي انطلقت بعد نجاح ثورتي تونس ومصر هي السبب وراء إغلاق محله، وشل حركة التجارة في الحي بأكمله، لكنه ينتظر «الفرج» مثل ملايين اليمنيين كي يستأنف نشاطه التجاري. ويؤكد خبراء واقتصاديون يمنيون في تصريحات إلى «الحياة» أن الوضع الاقتصادي يزداد سوءاً يوماً بعد آخر، مع حال من الشلل التام تسود الكثير من الشركات والمصانع وقطاعات السياحة والاستثمار والنقل والخدمات، ملاحظين أيضاً، تعثر أعمال التشييد والبناء وتوقف شركات مقاولات عن تنفيذ أعمال إنشائية حكومية، ما تسبب بتسريح 20 ألف موظف وعامل على الأقل، فضلاً عن تراجع إنتاج الإسمنت نظراً الى ضعف الطلب عليه محلياً. وتفيد تقارير ميدانية بأن حركة التجارة الداخلية تواجه كساداً بنسبة تتجاوز 60 في المئة على الأقل منذ اندلاع الاحتجاجات، ما رفع أسعار السلع الرئيسة في ظل انقسام واضح داخل الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية اليمنية الذي أعلن رئيسه وعدد من التجار انضمامهم ودعمهم لحركة الشباب السلمية، فيما بقي آخرون مؤيدين للنظام السياسي اليمني وما يرونه الشرعية الدستورية. ويلخص قيادي في اتحاد الغرف التجارية ممن يدعمون ثورة الشباب، الوضع الحالي بأنه «أوجد كماً هائلاً من المعاناة، واتسمت حياة الناس فيه بالبؤس والبطالة والفقر وضعف الأمن ومخرجات التعليم والخدمات الصحية». ويضيف القيادي الذي رفض الإفصاح عن اسمه: «سوء الإدارة والفساد المالي والإداري وعدم استقلال القضاء والتسلط والظلم والمحسوبية، أثرت في شكل سلبي ومباشر في أداء القطاع الخاص ومساهمته في تطوير اقتصاد البلد وتنميته، ما أوجد بيئة ضارة للاستثمار المحلي وعاجزة عن استقطاب استثمارات خارجية». ويعتقد رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن محمد الجدري بأن «الشباب عبّروا عما يجري من خلال مطالبتهم بمكافحة الفساد الناجم أساساً عن عدم وجود رؤية إدارية واضحة وعدم تنفيذ قانون التدوير الوظيفي». ويشير إلى أن «هناك مديرين ومسؤولين موجودون في وظائفهم منذ أكثر من 20 سنة حتى وصل بهم الأمر الى اعتبار الوظيفة العامة ملكاً خاصاً لهم». وترى أوساط اقتصادية يمنية أن القطاع النفطي الذي يمثل 80 في المئة من الناتج المحلي المكون للموازنة الوطنية، تضرر كثيراً من التطورات الحالية. وتفيد بيانات غير رسمية بأن الأضرار تركزت في مجال إنتاج النفط وتصديره والاستهلاك المحلي أو في مجال التنقيب والاستكشاف، وذلك بسبب توقف الكثير من الشركات الدولية العاملة في هذه القطاعات ومغادرة كوادرها البلاد. وتبدو أخطار الأزمة الاقتصادية في أبرز صورها في تعثر تصدير النفط الخام من أنبوب النفط الممتد من مأرب إلى الحديدة، بسبب تفجيره في بداية الاحتجاجات، ما يضع مالية الدولة كلها على «كف عفريت»، كما يؤكد مسؤولون وخبراء. وكشفت رسالة وجّهها وزيرا النفط أمير العيدروس، والمال نعمان الصهيبي إلى رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال علي مجور، أن الأضرار الناجمة عن تفجير أنبوب نقل النفط الخام مأرب - الحديدة بلغت حتى 25 نيسان (أبريل) الماضي نحو 1,6 بليون دولار قابلة للزيادة، فضلاً عن توقف مصافي عدن عن إنتاج المشتقات النفطية، ما استوجب توفير سيولة من العملة الصعبة بمبلغ يتراوح بين 400 مليون دولار و500 مليون شهرياً لمواجهة شراء مشتقات نفطية لتغطية حاجة السوق المحلية. وحذّرت الرسالة، من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى نفاد احتياطات البنك المركزي اليمني من العملة الصعبة في أقل من سنة. واقترح الوزيران حلولاً سريعة منها صيانة الأنبوب لتأمين إمداد مصفاة عدن بالنفط الخام، وخفض كميات الديزل والبنزين في السوق المحلية بنسبة 50 في المئة مع احتمال أن تترتب على ذلك أزمة تموينية، فضلاً عن طلب منحة سعودية لكميات من المشتقات النفطية والغازية للسوق المحلية خلال فترة التوقف. وحذر الوزيران من احتمال وقف ضخ الغاز الطبيعي إلى بلحاف وتعطل مصفاة مأرب نتيجة توقف منشآت قطاع 18، وستترتب على ذلك غرامات باهظة على الدولة للشركات الأجنبية التي اشترت الغاز الطبيعي المسيّل مسبقاً. ارتفاع الأسعار وأدت الأزمة السياسية الحالية إلى تسجيل ارتفاعات متفاوتة في أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق المحلية بنسب تتراوح بين 5 في المئة و20 على الأقل. وعزا نائب رئيس الغرفة التجارية الصناعية في أمانة العاصمة محمد صلاح، الارتفاعات إلى «الوضع السياسي المتأزم في البلد، وارتفاع الدولار أمام العملة المحلية، ما أدى إلى تراجع الشركات العالمية في التعامل مع الوكلاء والتجار اليمنيين». وحذر صلاح من «خطورة تداعيات الأزمة السياسية في اليمن على الوضع الاقتصادي وتراجع ميزان المدفوعات»، مؤكداً أن «استمرار هذا الوضع السياسي المتأزم سيلقي بظلاله على كل فئات الشعب». غير أن وزارة الصناعة والتجارة تشدد على أنها تبذل جهوداً مضاعفة لتأمين السوق بالسلع الضرورية ومراقبة حركة البيع والشراء. ويعترف وزير الصناعة والتجارة اليمني هشام شرف بوجود خسائر فادحة لحقت بالاقتصاد اليمني نتيجة الاحتجاجات، قد تصل إلى 5 بلايين دولار. وقال في تصريح إلى «الحياة»: «ليس هناك أي تحليل مدعوم بأرقام من خلال بيانات أو شكاوى من المنشآت السياحية أو المستثمرين الذين أوقفوا أو جمّدوا بعض مشاريعهم وأنشطتهم أو الصناعيين، بالنسبة الى بعض الصادرات». ويعتبر أن «التأثير السلبي كبير جداً، وهناك توجّه لتشكيل فريق عمل لوضع دراسة واقعية حول تأثير الأزمة السياسية في الاقتصاد والتنمية بالتعاون مع الأممالمتحدة». ويبدي شرف تفاؤلاً بتجاوز اليمن محنته الاقتصادية، معتبراً أن «الأزمة طارئة وأحدثت تغيّرات معيّنة، لكنها لن تضيّع بالضرورة بعض إنجازات اليمن، بل علّمتنا كثيراً وسنبني في ضوئها قرارات وإصلاحات». ويضيف: «اليمن سيعمل بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء بخاصة في الجانب الاقتصادي والصناعي، على تجاوز سلبيات الأزمة سواء في شكل برامج أو خبراء أو إجراءات تصحيحية». القطاع المصرفي ووفق تقارير اقتصادية، تكبد القطاع المصرفي خسائر مالية جراء الاضطرابات، إذ أغلق عدد من شركات ومحال الصرافة أبوابه، بينما أغلقت بنوك عدداً كبيراً من فروعها، كما سحبت كل الصرافات الآلية من الشوارع في المحافظات، وشُلّت الحركة المصرفية في البنوك بنسبة 40 في المئة. ويبدو أن سوء الطالع حرم اليمنيين من قطف ثمار اجتماع لأصدقاء اليمن كان مقرراً في الرياض في آذار (مارس) الماضي، وكان يفترض أن يعلن تعهدات مالية غير أن الأحداث أخّرته إلى أجل غير محدد. ويعترف رئيس مجلس الشورى عبدالعزيز عبدالغني في نقاش مع أعضاء غرفة التجارة في تعز، بأن التداعيات التي أحدثتها الاحتجاجات على الجانب الاقتصادي والخطط التنموية وبرامج الدعم، أفقدت اليمن بلايين الدولارات من المانحين ضمن مجموعة «أصدقاء اليمن». ويتوقع تقرير لمؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، أن عجز الموازنة في اليمن عام 2011 سيصل إلى 3,75 بليون دولار.