لا تبتعد الدراما العراقية عن الواقع المأسوي لبلاد ما بين النهرين، إذ تزخر بسيناريوات تقدِّم معاناة العراقيين اليومية كما هي، بعيداً من تدخل العنصر الفني، رغم فسحة الحرية التي توافرت لمحترفيها بعد عام 2003. ويعزو الناقد علي حسين الأسباب في ذلك الى «غياب الجهد الحكومي في دعم الفنون العراقية عموماً، والدراما خصوصاً». ويوضح ان «الدولة أو القائمين على شركات الانتاج، غير جادين في إظهار دراما عراقية تلفزيونية تليق بتاريخها الذي يمتد لأكثر من 60 عاماً». وفي المقابل، يرى أبو دريد، أحد أبطال الدراما العراقية، أن «هيمنة الاحزاب السياسية وبعض الجهات الحكومية على الساحة العراقية، أثَّرَ في شكل واضح على مستوى الدراما المنتَجة في العراق. بمعنى آخر، إن تلك الجهات باتت تتحكم في شكل ومضمون ما تفرزه عجلة الدراما العراقية عبر تمويلها أعمالاً خاصة تُعرض على الفضائيات المملوكة لتلك الجهات والاحزاب». ويضيف: «من هنا تنكشف الاسباب التي ساهمت في غياب الصراع الأزلي (الخير والشر) بين ابطال المنجز الفني، حيث نجد ان الصراع في غالبية الاعمال التي انتجت بعد التغيير (2003)، يركز على نقل مشاهد الواقع العراقي وصراع الاحزاب المتنافسة على السلطة، وهذا لا يمتّ الى الدراما العراقية بصلة». ويرى أبو دريد ان تراجع الدراما العراقية يعود أيضاً الى كون غالبية المسلسلات تصوَّر خارج العراق، و «هذا لا يعطي نكهة واقعية للمشهد، وقد يثير الاشمئزاز لدى المتلقي، فتراه يبحث عما يتناسب وذائقته في أعمال تلفزيونية مصرية أو سورية أو خليجية». ويؤكد الناقد عبد العليم البناء، أن «الظروف الامنية المضطربة التي واجهت العراق الجديد، فعلت فعلها الحاد في التأثير على حجم الانتاج الدرامي ونوعيته، ومن بينها تقديم بعض الفضائيات ذات الأجندات المعادية للعملية السياسية في العراق، أعمالاً عكست أموراً طارئة على الشعب العراقي، واعتبرتها من الثوابت الأساسية له، لتعكس صوراً مشوهة». وينبه الى أن «اضطراب الوضع الامني وما أفرزه من تحديات، لا ينسجم مع الظروف المطلوبة لإنجاز اي عمل درامي، ما أدى بالجهات المنتجة الى القيام بعملية الانتاج خارج العراق، الأمر الذي أدى الى هجرة عدد من الفنانين، والمشاركة في هذه الانتاجات، التي جاء بعضها ان لم يكن معظمها فاقداً للنكهة والأصالة العراقية في الشكل البيئي والجغرافي، الذي تتطلبه الدراما باستمرار، لتكون ذات صدقية تؤهلها للقبول الجماهيري». ويرى عبدالعليم البناء أنه في ظل غياب الرقابة التامة، انخرطت أعداد كبيرة - تمثيلاً وتأليفاً وإخراجاً وإنتاجاً - في تقديم أعمال درامية، مشوهة وسطحية، بل وفاقدة للصلاحية، ما أفقد الدراما العراقية صورتها المتألقة التي عُرفت بها طيلة عقود طويلة، وخلقت نوعاً من الفجوة بين المتلقي العراقي وبين مضمون غالبية الاعمال الدرامية المنتَجة حالياً. وهنا لا بد من دراسة هذه الظاهرة بمشاركة المعنيين بها».