لم يتوقع الفنانون والممثلون العراقيون أن تشهد الدراما العراقية هجرة معاكسة من سوريا بسبب الأوضاع الأمنية فيها، إلى العراق الذي تحول إلى ورشة كبيرة لتصوير أعمال رمضانية غزيرة تم إنتاجها. ويقول المخرج العراقي فارس طعمة التميمي لوكالة فرانس برس إن “الأوضاع المضطربة في سوريا دفعت الفنانين العراقيين المقيمين هناك منذ عدة سنوات للعودة إلى بغداد، وإنجاز أعمال درامية غزيرة ستعرض في شهر رمضان هذا العام”. ويضيف التميمي الذي يقوم بإخراج مسلسل “قصة حي بغداد” أن “الظروف الأمنية في سوريا دفعت أيضاً بمخرجين سوريين لإنجاز أعمالهم هنا في بغداد”. وتابع “نأمل أن تسهم الأوضاع المستقرة في العراق في عودة الدراما العراقية معافاة كسابق عهدها، على أن تستعيد مراحلها الذهبية السابقة”. يذكر أن عشرات الفنانين العراقيين العاملين في حقلي الدراما التلفزيونية والسينما غادروا البلاد عام 2003، وزادت أعدادهم في سنوات التوتر الطائفي بين 2006 و2008، واتخذوا من سوريا مكاناً لإقامتهم، لكنهم بدأوا بالعودة بشكل لافت منذ أكثر من عام، نتيجة الاستقرار النسبي في العراق، والعنف في سوريا. وانعكست هذه الهجرة الإجبارية للفنانين العراقين غزارة في إنتاج عدد من الأعمال التلفزيونية الرمضانية غير المسبوقة، إذ قامت قناة “العراقية” الحكومية بإنتاج ثمانية أعمال درامية وحدها، إلى جانب أعمال أخرى لقنوات محلية فضائية أخرى. ويبدو أن المسحة التاريخية والاجتماعية ستطغى على طبيعة هذه الأعمال، في محاولة لإبعاد المشاهدين العراقيين عن أجواء التوتر ونزعة العنف والصراع السياسي التي تميزت بها الأعمال الدرامية في الأعوام الماضية. ومن هذه المسلسلات التي ستعرضها قناة العراقية “باب الشيخ ” للمخرج الأردني باسل الشيب، ومسلسل “خارطة طريق” للمخرج السوري غسان عبدالإله، وهذا أول عمل عراقي لهذا المخرج. ويرى الكاتب العراقي حامد المالكي أن “الأوضاع الأمنية في سوريا دفعت حتى المخرجين السوريين للعمل في العراق، فيما اتجه عدد آخر من المخرجين والمنتجين لإنتاج أعمال درامية في بيروت، لكن هذه التجربة واجهت مصاعب بسبب ارتفاع مستوى التكاليف الحياتية في هذا البلد”. ويضيف “ثلاثة مخرجين سوريين أنجزوا أعمالهم في العراق، وهذا شيء مهم”. وعن ابتعاد بعض الأعمال عن مضمون التوتر الطائفي والعنف، قال المالكي “إذا كانت تدعو إلى التقريب فهذا شيء جميل وممتع، الإنسان يفترض أن ينأى بنفسه عن هذا الأمر في الوقت الحاضر، نحتاج إلى مسلسلات معاصرة تدعو إلى حب الآخر، لا مسلسلات تذكرنا بالاختلاف، ومنه المذهبي”. وتابع “نعاني من غياب الكفاءات الفنية المحترفة في التصوير والإنتاج، ولابد أن نعترف باننا دولة متأخرة في هذا الميدان، لكنني فخور بأن تصور أعمال في العراق في مثل هذه الظروف”. يذكر أن تجربة عمل المخرجين العرب في العراق تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما أخرج المصري الراحل إبراهيم عبد الجليل أضخم عملين تلفزيونيين في تلك الحقبة “الذئب وعيون المدينة”، و”النسر وعيون المدينة”، للكاتب الشهير عادل كاظم. وشارك فيهما خيرة الممثلين العراقيين، ومنهم الراحل جعفر السعدي، وبدري حسون فريد، وابتسام فريد، والراحل طعمة التميمي، وقاسم الملاك، وزهرة الربيعي. وعن المسلسلات الدينية التي تستعد بعض القنوات العراقية لعرضها على غرار مسلسل “إمام الفقهاء جعفر الصادق”، قال المالكي إن “الجهة التي أنتجت هذا العمل بعيدة كل البعد عن أي توجه طائفي، بل على العكس، فقد كلفتني تلك الجهات بكتابة أعمال تدعو لتوحيد المسلمين في كل مكان”. وأضاف: أعتقد حتى أن مسلسل “عمر”، الذي سيعرض أيضاً على بعض القنوات، وبلغت كلفته 25 مليون دولار، سينأى عن التوجهات الطائفية”. وتابع المالكي أن “غزارة الإنتاج تعكس حجم الهجرة، أو النزوح الإجباري للفنانين العراقيين الذين كانوا يقيمون في سوريا، ونتمنى أن تكون هذه الخطوة بداية استرداد الدراما العراقية عصرها الذهبي”. أ ف ب | بغداد