«كل مرة أخرج فيها إلى العمل، كانت أسرتي تتوقع ألاّ أعود»، يقول الممثل العراقي جواد الشكرجي بعد تنهد طويل، ويضيف: «لم يعد في العراق مكان للدراما والإبداع ولا حتى الحياة». لم يصوّر الشكرجي سوى مسلسل واحد في العراق من عام 2003 وحتى 2006، إلى أن أدخله مسلسل «معروف الرصافي» الى سلسلة المسلسلات العراقية التي تصوّر في سورية، ليصبح في رصيده حتى الآن ما يقارب ال 20 عملاً، 7 منها عراقية صرفة، والبقية عراقية - سورية مشتركة. الشكرجي واحد مما يقارب 200 ممثل عراقي هجّرتهم الأوضاع السيئة خارج العراق ليصلوا إلى سورية التي تمتاز «بالمهنية العالية في صناعة الدراما، ما يوفر فرص عمل وتطوراً أفضل»، كما يقول زميله حسين عجاج. سنتان من الاعتكاف احتاجهما عجاج بعد مغادرته العراق إلى سورية عام 2006 ليستعيد قدرته على «التمثيل والعيش من جديد» كما قال ل «الحياة»، ومنذ ذلك الحين أصبح في رصيد عجاج ما يقارب 25 مسلسلاً عراقياً صوّرها كلها في سورية، آخرها مسلسل «سيدة». وبينما يعتبر كثر أن هجرة الفنانين العراقيين إلى الخارج هي خسارة إضافية للعراق بعد خسارته لكفاءاته العلمية، يرى الشكرجي أن هذه الهجرة «ضمنت حياة الفنانين ليعودوا في الوقت المناسب»، معتبراً أن الدراما العراقية «نشأت الآن في دمشق». «قناة عراقية منتجة، كاتب عراقي، مخرج وفنيون سوريون، ممثلون عراقيون وبعض السوريين، أرض سورية» هي الخلطة التي تصنع غالبية المسلسلات الدرامية العراقية التي بدأت تصوّر في سورية منذ عام 2003 وازدادت لتصل إلى عشرين مسلسلاً خلال هذا العام. شركة «العرّاب» السورية أنتجت وحدها بين 30 و40 عملاً درامياً عراقياً وعراقياً سورياً مشتركاً. «كل الأعمال كانت من تأليف وتمثيل عراقيين، أما الإخراج والأعمال الفنية والمونتاج فكلها تولاها سوريون»، يؤكد حسام الخيمي صاحب شركة «العرّاب» للإنتاج التلفزيوني. أما السبب كما يقول الخيمي فهو أنهم «كشركة سورية يفضلون اختيار المخرجين السوريين، والطاقم السوري». البيئة السورية المشابهة للعراقية كانت سبباً إضافياً لاختيارها مكاناً لتصوير المسلسلات العراقية، «فعدد كبير من الأماكن ذات طبيعة مشابهة للعراق، كما أننا نعتمد على القواسم المشتركة بين البلدين لخلق البيئة العراقية»، يقول المخرج السوري سامي جنادي. يوافق الشكرجي الجنادي مستدركاً: «لكنّ هذا التشابه غير مقنع بخاصة بالنسبة الى العراقي»، مضيفاً: «المكان هو أحد أبطال أي عمل فني، ونحن إذا انتقلنا إلى سورية فلأننا ملزمون، والمحاولات المبذولة لخلق بيئة عراقية في سورية لا تستطيع الوصول إلى أكثر من 50 في المئة». اما ما يساعد في خلق البيئة العراقية فهو في شكل أساسي أن «معظم الممثلين في المسلسل عراقيون» بحسب المخرج جنادي الذي يؤكد أن «الأثر السوري في العمل موجود». البيئة المتشابهة لم تساعد على دمج التجربة الدرامية العراقية مع السورية حيث وجد عدد من الفنانين العراقيين أن الأعمال الدرامية هي عراقية بحتة، على رغم اشتراك عدد من الممثلين السوريين في اعمال عراقية كمسلسل «المواطن G» ومسلسل «فوبيا بغداد». الممثل حسين عجاج من جهته يرفض فكرة العزلة، مشيراً إلى أنه سعيد «بتلاقح تجارب الفنانين العراقيين مع السوريين الذين يملكون تجربة مهمة على صعيد الدراما». ويضيف: «كنت متوجساً في البداية من أن الفنانين السوريين لا يعرفوننا إذ كنا داخل دائرة الحصار الإعلامي لوقت طويل، لكنهم تعاونوا معنا وتشكلت بيننا صداقات حقيقية». من القناة العراقية وإليها «يجري الاتفاق بين قناة عراقية وشركة إنتاج سورية على إنتاج مسلسل عراقي صرف، أو عراقي - سوري مشترك، ليتم عرضه فيها فقط ولمرة واحدة»... هذه هي المسيرة الاعتيادية لأي مسلسل عراقي يصوّر في سورية كما يقول صاحب شركة «العرّاب». المخرج الجنادي، يأمل، في أولى تجاربه مع المسلسلات العراقية، بأن «ينكسر هذا النموذج»، مؤكداً أنه يعمل على المسلسل «على أساس أنه سيعرض على القنوات العربية وليس فقط العراقية». تستخدم الفضائيات العراقية الدراما التي تنتجها لتمرر الرسائل التي تريدها، ما جعل الاشتراك في هذه المسلسلات «كالدخول إلى حقل ألغام» بالنسبة الى بعض الممثلين كالشكرجي الذي يؤكد أن تمويل القنوات للمسلسلات العراقية «يؤثر في توجهها، فبعدما كنا نعاني من الأدلجة والرقابة والممنوعات أيام صدام، أصبحت لدينا الآن حرية فوضوية، ولا نعرف أي القنوات تعمل مع من ولمصلحة من، كما أن عدداً منها مدعوم من الولاياتالمتحدة، وهذا مربك بالنسبة إليّ شخصياً»، كما يقول الشكرجي. يبرز اتجاهان في العمل الدرامي العراقيّ، يتمثل الأوّل في استعادة التاريخ السياسي والاجتماعي العراقي الحديث، مثل مسلسل «الباشا» الذي يروي سيرة رئيس الوزراء العراقي أثناء العهد الملكي نوري السعيد، ومسلسل «سارة خاتون»، وهي إحدى الثريات البغداديات، فيما يذهب الاتجاه الثاني الذي يشكل 75 في المئة من الإنتاج العراقي إلى الأحداث التي يعيشها العراق منذ الغزو الأميركي، وخصوصاً بعد عام 2006، منها مسلسل «ميليشيا الحبّ» الذي تدور أحداثه حول عصابات خطف الطالبات. أجر الفنان العراقي... الأقل «أجر الفنان العراقي إهانة لفنّه وإنسانيته، فهو يتقاضى 15 في المئة من أجر الفنان السوري، وأقل من 5 في المئة من أجر المصري» يؤكد الشكرجي الذي يعمل مع مجموعة من الفنانين العراقيين فكرة إنشاء «تجمع الفنانين العراقيين المتحدين» الذي سيبدأ عمله بالدفاع عن الفنانين العراقيين وإعطائهم الأجور التي يستحقونها». أما عن سبب قبوله شخصياً بالأدوار التي تعطى له بهذه الأسعار فيقول الشكرجي: «آمنت ببعض الشخصيات كدوري في مسلسل «هدوء نسبي» الذي أخرجه شوقي الماجري لأنه يوافق أفكاري وكان يتحدث عن معاناة الشعب العراقي ونضاله». ويضيف: «مثّلت مرة في مسلسل كويتي لثلاثة أيام فقط بأجر 3 آلاف دولار، أما في مسلسل «السيدة» الذي أخذ مني كل مشهد من مشاهده شهراً من عمري فلم أتلق سوى 8500 دولار». موّلت قناة «البغدادية» هذا المسلسل وأعطت التنفيذ لشركة «نجدت أنزور للإنتاح»، وعندما أرسل المخرج أنزور الموازنة الأولية للمسلسل وفيها أجور الفنانين العراقيين مماثلة للسوريين، عارضت القناة وخفّضت أجور الممثلين العراقيين إلى النصف. ويؤكد صاحب شركة إنتاج «العرّاب» ما ذهب إليه الشكرجي، مشيراً إلى أن «تكلفة المسلسلات العراقية في سورية تساوي نصف تكلفة المسلسلات السورية، لغلاء أجور السوريين وانخفاض نظرائهم العراقيين». «المنتجون والقنوات التلفزيونية العراقية هم الذين ابتدعوا هذا النهج، كنا نقبض عندما كنا نعمل في وطننا أجراً أكثر من الآن ونحن في الغربة وأكثر خبرة» يقول الشكرجي واضعاً كلمة «مع الأسف» قبل كل جملة. «أدخلت الدراما العراقية ملايين الليرات إلى سورية ونشطت حركة الدراما السورية من خلال رأس المال الكبير، وتأمين فرص عمل للفنيين والممثلين والمخرجين وشركات الإنتاج»، يقول الخيمي. ويضيف: «تسهيلات التصوير في سورية والإمكانات جذبت القنوات العراقية لتنتج مسلسلاتها في سورية». ويؤكد أن المسلسلات العراقية لم تؤثر في سوق السورية، ولم تنافسها «لأن القنوات العراقية هي فقط من تعرض هذه المسلسلات، بينما تعرض المسلسلات السورية على القنوات العربية»، مشيراً إلى أن المسلسلات التركية المدبلجة «أثرت في الدراما في شكل عام لأنها تملأ ساعات الفضائيات بأسعار ضئيلة». ويوافق المخرج المنفذ باسم عيسى الخيمي، ف «أموال المسلسلات العراقية أصبحت رأس المال الأساسي للدراما السورية».