يفترض أن تشهد دوائر شمال لبنان واحدة من أشد المعارك الانتخابية، في حال سمح المناخ العام في البلد بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر في أيار (مايو) المقبل ولم تطرأ تطورات أمنية وسياسية ليست في الحسبان تؤدي إلى تأجيلها، على رغم أن المجتمع الدولي يصر على إنجاز هذا الاستحقاق الذي يشكل المعبر الوحيد لإعادة تكوين السلطة السياسية بعد طول تمديد للبرلمان الحالي. وتتعامل القوى السياسية الرئيسة المعنية مباشرة بالانتخابات النيابية الموعودة مع النتائج التي يرسو عليها الانتخاب في الشمال اللبناني لانتخاب 28 نائباً على أنها ستكون بمثابة بيضة القبان التي ستحسم لمن ستكون السيطرة في المجلس النيابي العتيد الذي سيعاد فيه خلط الأوراق الانتخابية في ظل الغموض الذي يكتنف حتى الساعة التحالفات الانتخابية، على رغم أنه من السابق لأوانه التكهن منذ الآن بطبيعة هذه التحالفات لأن لا مصلحة للأطراف المشاركين في الانتخابات أن يكشفوا منذ الآن عن أوراقهم ويخرجوها للعلن في المدى المنظور ويفضلون التريث الى الأشهر الأولى من العام المقبل. تحالفات ثنائية وثلاثية لكن حرص الأطراف على الاحتفاظ بأوراقهم الانتخابية لن يمنعهم من الانخراط في لعبة المناورات لاختبار أحجام القوة لهذا الفريق أو ذاك، وإن كان البعض يراقب التواصل القائم بين حزب «القوات اللبنانية» وبين «تيار المردة» لمعرفة ما إذا كان سيؤدي الى التحالف في الانتخابات من موقع الاختلاف حول بعض أمور سياسية أبرزها تلك التي تتعلق بالعلاقة مع النظام في سورية. والأمر ذاته ينسحب على العلاقة القائمة بين «تيار المستقبل» و «التيار الوطني الحر» و «القوات» للتأكد ما إذا كانت التحالفات ستفتح الباب أمام تعاون ثنائي بين طرفين من الأطراف الثلاثة أم انه سيتوسع في اتجاه التفاهم على خوض الانتخابات بلوائح موحدة. فالخلاف بين «المستقبل» و «القوات» من جهة وبين «التيار الوطني» حيال الموقف من النظام في سورية في ضوء إصرار الأخير على التواصل معه بذريعة الوصول الى تفاهم لإعادة النازحين السوريين الى بلداتهم وقراهم، يشبه إلى حد كبير الخلاف بين قطبي إعلان النيات أي «القوات» و «التيار الوطني» ناهيك بأن العلاقة بين هذين القطبين تمر حالياً في مرحلة حرجة لا يحفف من وطأتها لجوء من تولى التحضير ل «إعلان النيات» الى التقليل من حجم نقاط الخلاف الذي يبرز من حين الى آخر، في جلسات مجلس الوزراء على خلفية موقف «القوات» من ملف الكهرباء الذي يستدعي تشدداً من وزراء «التيار الوطني» حيال البنود التي تعود لوزارات يشغلها وزراء من «القوات»، ويغلب عليها أحياناً طابع الكيدية السياسية. كما أن العلاقة بين «المستقبل» و «التيار الوطني» تمر أحياناً في حال حرجة بسبب جنوح رئيس الأخير الوزير جبران باسيل، وبلا حدود، الى التصادم مع «المستقبل» ما يضطر رئيس الجمهورية ميشال عون الى التدخل في بعض الأحيان لمصلحة رئيس الحكومة سعد الحريري، وهذا ما حصل لدى البحث في قانون الانتخاب الجديد، عندما اندفع في «تنعيم موقف باسيل قائلاً له إن القانون سيمشي وإذا كان لديك تحفظ أو اعتراض ما عليك إلا أن تسجله في مجلس الوزراء. فبعض مواقف باسيل، كما تقول مصادر وزارية ل «الحياة»، باتت تعيق جهود «المستقبل» لتسويقه في شارعه ولدى محازبيه الذين لا يزالون يتعاطون معه بريبة وحذر. لذلك، فإن التحالف الانتخابي بين «المستقبل» و «التيار الوطني» و «القوات» في منطقة الشمال، وإن كان من السابق لأوانه تظهيره في الوقت الحاضر، فإنه يتراوح بين هبة باردة وأخرى ساخنة ولن يدخل في مفاوضات جدية يمكن أن توضع على نار حامية ما لم يسلم من يتطلع إلى تحقيقه بأن تمثيل «المستقبل» لن يقتصر على مرشحيه من السنّة وإنما يجب أن يتمثل بمرشحين مسيحيين وهذا لن يسلم به حتى الساعة باسيل الطامح إلى فتح معركة رئاسة الجمهورية في وقت مبكر ويتعامل مع الانتخابات النيابية على أساس أنها فرصته لتقديم نفسه وبدعم من حليفه «حزب الله» على أنه الأوفر حظاً لخوضها. وعليه، فإن خريطة التحالفات في دائرة طرابلس - الضنية - المنية وفي دائرتَي عكار، وزغرتا - بشري - الكورة والبترون، ما زالت غامضة، وبقرار ضمني من القوى السياسية المعنية بها، لأن لا مصلحة لها في أن تبادر إلى حرق المراحل وكشف أوراقها الانتخابية التي يمكن أن تؤدي إلى إحداث خلل في كتلها النيابية في حال وجد بعض النواب الحاليين أنفسهم خارج اللوائح الكبرى. ومع أن المقاعد النيابية تتوزّع على الشكل الآتي: عكار 7 نواب، طرابلس المنية - الضنية 11 نائباً وزغرتا - بشري - الكورة - البترون 10 نواب، فإن المعركة الانتخابية في دائرة طرابلس ستشهد منافسة حامية بدأت طلائعها تظهر منذ الآن على رغم أن المعنيين بها لا يزالون يلوذون بالصمت ولا يودّون الكشف عن تحالفاتهم وكأن أحدهم ينتظر الآخر «على الكوع» لعله يكون البادئ في إزاحة الستار عن تحالفاته. الصوت التفضيلي وإلى أن يتم تظهير الفيلم الانتخابي الطويل الذي سيتأخر ولن يرى النور في المدى المنظور، يقول سياسي طرابلسي بارز يواكب المناورات الانتخابية عن كثب ويتابع بعض اللقاءات التي تجري حالياً، وإن كانت ما زالت في بداياتها أو في طور تكوينها، بأن المعركة ستدور بين 4 لوائح وربما أكثر. ويرجّح هذا السياسي البارز أن يدفع البحث عن الصوت التفضيلي الناخبين الكبار ممن لديهم اليد الطولى في تركيب اللوائح الانتخابية إلى التفكير جدياً بأن لا ضرورة لتوسيع رقعة التحالفات طالما أنها لا تؤمّن لرئيس هذه اللائحة أو تلك جرعة من الصوت التفضيلي يمكن أن تكون له بمثابة فائض قوة للحصول على أكبر عدد من المقاعد في هذه الدائرة. فرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الذي يعتبر نفسه، كما يقول مقربون منه، الأقوى انتخابياً وإن استطلاعات الرأي التي يجريها تدعم مثل هذا التوجه، يتريّث في الكشف عن تحالفاته، وإن كان أنهى القطيعة مع وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي الذي زاره أخيراً في منزله وتوافقا على تحييد الشأن الإنمائي المتعلق بطرابلس عن الخلافات السياسية. كما أن ميقاتي على تواصل مع الوزير السابق فيصل كرامي على قاعدة أن لا عجلة في حسم موقفهما من الانتخابات، أي بمعنى آخر أن لا اتفاق أو خلاف بينهما ما يمنع الانفتاح على بعضهما بعضاً من دون الوصول إلى قرار حاسم سواء بالاتفاق أو الانفصال. وفي المقابل، فإن تيار «المستقبل» الذي يتعرّض، كما تقول مصادره، إلى حملات سياسية يتولاها ميقاتي وريفي، بدأ بتشغيل ماكينته الانتاخبية لكن ليس بالسرعة المطلوبة وهو على تحالف ثابت مع وزير العمل محمد كبارة والنائب محمد الصفدي، فيما يتريث بالنسبة إلى المرشح العلوي والمرشحين الماروني والأرثوذكسي، ما يدفع البعض إلى تفسير موقفه من زاوية أنه ينتظر حصيلة مشاوراته مع «القوات و «التيار الوطني». كما أن ريفي، وإن كان يراهن على تكرار النموذج الانتخابي البلدي الذي أتاح للائحة التي دعمها السيطرة على المجلس البلدي في طرابلس، فإن هناك من يعتقد بأن اللائحة البلدية في حينه استمدّت قوتها من نفور الناخب الطرابلسي من تحالف الأضداد في لائحة جامعة أخفقت في الإمساك بالمجلس البلدي، وبالتالي لن يتكرّر المشهد البلدي لهذه اللائحة في الانتخابات النيابية. خصوم «المستقبل» ويبدو أن خصوم «المستقبل» في طرابلس كثر وهم يتقاطعون من موقع الاختلاف في استهداف الرئيس الحريري، الذي يدخل معهم من حين إلى آخر في سجال سياسي وإعلامي، إلا أن هؤلاء الخصوم يجدون صعوبة في الانخراط في لائحة واحدة، وهذا ما ينطبق على الرئيس ميقاتي وريفي اللذين يتموضان في موقعين سياسيين لا يلتقيان إلا إذا كانت التحالفات تسقط المحاذير السياسية وتسمح لهما بالتعاون الانتخابي على الأقل في مواجهة رئيس الحكومة. وأخيراً، فإن الحراك الانتخابي في دائرة طرابلس - الضنية - المنية، وإن لا يزال خجولاً، هناك من يستبق التحالفات المنتظرة فيه ويرجّح أن تتوزّع رئاسة اللوائح على ميقاتي و «المستقبل» وفيصل كرامي وريفي، ويؤكد، أن حضور الوزير السابق جان عبيد ضروري ويشكل وجوده على إحدى اللوائح قيمة مضافة مع أن ميقاتي يراهن على أنه سيتعاون معه. لكن توقّع تشكيل أربع لوائح انتخابية لا يلغي السؤال عن دور التيارات الإسلامية التي تتشاور حالياً انطلاقاً من تقديرها أن لها وزنها الانتخابي، خصوصاً في دائرتي طرابلس وعكار، وتردّد أن النائب خالد الضاهر المنشقّ عن «المستقبل»، يرعى اجتماعات تشارك فيها «الجماعة الإسلامية» وشخصيات إسلامية مستقلة، وأن البحث يدور حول دورها في الانتخابات ومدى تأثيرها فيها. لكن مبادرة التيارات الإسلامية إلى التحرك يمكن أن تهدف في نهاية المطاف إلى استدراج العروض لعلها تتوصل إلى تعاون مع قوى سياسية أخرى في هاتين الدائرتين في ضوء ميل ميقاتي وريفي إلى خوض الانتخابات في عكار. مع أن البعض في طرابلس يقول إن عين «الجماعة الإسلامية» هي على التعاون وحتى إشعار آخر مع ميقاتي. ويتردّد أيضاً أن ميقاتي، وإن كان لا يفضل أن يتعامل معه البعض على أنه رافعة انتخابية لمحور الممانعة في الشمال، يدرس بدقة اختيار المرشح العلوي عن طرابلس من خارج نفوذ الحزب «العربي الديموقراطي» برئاسة رفعت علي عيد، المتواري عن الأنظار والموجود في سورية بعد اتهامه بعلاقته بتفجير مسجدي «التقوى» و «السلام» في طرابلس. وما ينطبق على ميقاتي في خصوص المرشح العلوي يسري على الآخرين، لأن مجرد تعاونهم مع مرشح يشتم منه بأنه على صلة وثيقة برفعت عيد، سيؤدي إلى حرقهم انتخابياً في الشارع الطرابلسي. لذلك، فإن الوجه الآخر من المعركة الطرابلسية، أي المعركة في الضنية والمنية، يرتبط كلياً بالمنافسة الأم في عاصمة الشمال، خصوصاً أن ل «المستقبل» مرشحيه وكذلك الآمر للآخرين، لكن من سيتعاون مع النائب السابق جهاد الصمد في الضنية وكمال الخير في المنية اللذين يصنفان في فلك محور الممانعة. «حزب الله»: الانتخابات ستحدد أحجام القوى حمل نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، «الذي حاول أن يضغط على أعصاب العالم في الشرق والغرب تحت عنوان أنه صاحب قرار وسيتخذ القرار، وتبين أن رئيس أقوى دولة في العالم لا يلتزم المواثيق والعهود، ويعاني من فشل في ملفات المنطقة ولن ينجح». وقال: «يستطيع ترامب أن يهدد ويوتر العالم وينشر القلق ولكنه لا يستطيع إرغامنا على حلوله الاستسلامية، فستبقى جبهة المقاومة حامية لشعوبها وحاضرة في الساحة حتى ولو صرح ترامب ليل نهار، بالنسبة إلينا إسرائيل عدو وستبقى كذلك، والأرض المحتلة يجب تحريرها وسنعمل على تحريرها، والإرهاب التكفيري مرفوض وسنقاتله حتى نخرجه تماماً من كل منطقتنا». وعن الداخل اللبناني، قال قاسم: «لم تعد الاتهامات ضدنا تطعم خبزاً، والتحريض المذهبي يخنق أصحابه، والدفاع عن التكفيريين مذلة. ومن يدعي تمثيل الناس عليه أن يبرز عدد الأصوات التي سيحصدها، قانون النسبية ليس محدلة، لكن كل واحد إذا لم يكن لديه تمثيل وعدد من الناس يؤمنون به، لا يمكن أن يكون في المجلس النيابي، على كل حال القانون النسبي سيفرز أحجام القوى الحقيقية وسنرى من يمثل الناس وكم يمثل، وعندها نستطيع أن نقف جميعاً في الميدان ونعبر عن مدى هذا التمثيل». الى ذلك، دعا الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنّا غريب، من بلدة الجمّالية (بعلبك- الهرمل)، لمناسبة الذكرى ال35 لانطلاقة «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» والذكرى ال93 لتأسيس الحزب الشيوعي، إلى التخلص من «السلطة الفاسدة التي تعتاش من ألاعيب خلافات أطرافها واتفاقاتها حول الحصص، التي دفعنا ولا نزال ندفع الثمن في الحالتين معاً، والحل يكون بإقامة دولة مدنية ديموقراطية». ورأى أن «الانتخابات النيابية فرصة لتغيير السلطة ومحاسبتها، وليس لإعادة انتخابها من جديد». وقال: «كما توحدت قوى السلطة، على قوى الاعتراض أن تتوحد بمواجهتها». ولفت إلى أن «إقرار سلسلة الرتب والرواتب حصل تحت الضغط النقابي وليس بفضل هذا الزعيم أو ذاك، ولا بفضل أتباعهم في الاتحادات والنقابات والروابط، الذين وقفوا ضد السلسلة لسنوات». وانتقد مشروع الموازنة «لأنه لا يحمل أي رؤية إصلاحية لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية». ودعا إلى التوحد «لطرح القضية الاقتصادية - الاجتماعية برمّتها في الشارع، فلن ننتظر جلسات المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي لا يحمل أي صلاحيات تقريرية وتشكل بغالبيته من أتباع السلطة، فمن سيحاور من؟».