تبدو المنافسة الانتخابية في طرابلس، كما في الضنية - المنية، محصورة بين لائحة مكتملة مدعومة من رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ووزير الاقتصاد محمد الصفدي، ومرشحين منفردين أبرزهم رئيس الحكومة السابق عمر كرامي والنائب في «حركة التجدد الديموقراطي» مصباح الأحدب والوزير السابق جان عبيد، خلافاً للدوائر الأخرى في محافظتي الشمال وعكار التي تشهد منافسة حادة من لوائح قوى 14 آذار ولوائح المعارضة... ومع ان المنافسة في طرابلس تتصدرها لائحة التضامن الطرابلسي المدعومة من تحالف «المستقبل» وميقاتي والصفدي في مقابل لائحة غير مكتملة يتزعمها كرامي، ومرشحين منفردين أبرزهم عبيد والأحدب فإن للمنازلة الانتخابية فيها طعماً آخر، يتمثل في أن لائحة التضامن لا تستخف بالحضور الانتخابي لكرامي الذي يعتبر الأقدر على خرقها، ولا بالمزاج الطرابلسي المؤيد لعبيد أو بالقلق الناجم عن استمرار الأحدب في خوضه المعركة منفرداً ضد حلفاء الأمس، أي تيار «المستقبل». فلائحة التضامن الطرابلسي تعتبر الأقوى من حيث القوى السياسية والمرجعيات الطرابلسية التي تتشكل منها، لكنها تحاول الحفاظ على تماسكها والتأكيد على انسجامها في الاقتراع لجميع أعضائها وقطع الطريق على خصومها ممن يراهنون على أن تبادل التشطيب سيكون سيد الموقف في يوم الانتخاب في السابع من حزيران (يونيو) المقبل، خلافاً للمناخ الانتخابي المسيطر على المعركة في الضنية - المنية بين لائحة قوى 14 آذار المؤلفة من النواب أحمد فتفت وقاسم عبدالعزيز وهاشم علم الدين والمرشح المنفرد النائب السابق جهاد الصمد الذي لا يزال يرفض المساعي المبذولة من المعارضة لتشكيل لائحة مكتملة... ومن يجول على أحياء طرابلس الشعبية قبل ساعات من موعد صلاة يوم الجمعة الماضي، يتلمس عن كثب ان المنافسة في عاصمة الشمال لن تكون سهلة أمام لائحة التضامن على رغم كونها تمثل القوى والشخصيات الرئيسة في المدينة، وهذا ما يستخلصه المراقب للتحضيرات الجارية استعداداً للمنازلة الانتخابية الكبرى يوم الانتخابات، من خلال الأسئلة التي يطرحها الناخبون من غير المنتمين مباشرة الى الأطراف المتصارعين من أجل حصد المقاعد النيابية الثمانية المخصصة لدائرة طرابلس باعتبارها الأكبر انتخابياً في الشمال. تساؤلات ومن أبرز الأسئلة التي يطرحها هؤلاء الناخبون تلك المتعلقة بمدى قدرة الناخبين الكبار في لائحة التضامن على أن تبقى لائحتهم اسماً على مسمى، وهل ان مظاهر التضامن التي تبدو جلية من خلال جولات أركانها في محاولة لطمأنة الناخب الطرابلسي الى انها قادرة على سد الثغرات التي يمكن لخصومها الإفادة منها لتسجيل اختراق انتخابي في ضوء ما يشاع من أن أنصار تيار «المستقبل» الذي يعتبر الأقوى في المدينة سيقترعون بلائحة مطعمة باسم المرشح الأحدب في مقابل رغبة مؤيدي ميقاتي بالتصويت لمصلحة عبيد وأن مؤيدي الصفدي والنائب محمد كباره سيتبادلون التشطيب على خلفية ان الكيمياء الشخصية مفقودة بين هذين المرشحين انطلاقاً من الاختلاف بينهما الذي كان وراء انفراط التكتل الطرابلسي المستقل... وبكلام آخر فأن المخاوف من احتمال دخول اللائحة في تصفية حسابات سياسية يدفع بالناخبين الى السؤال عما اذا كان بعض المرشحين على لائحة التضامن قرروا، عندما توافقوا على الائتلاف، ترك الخلافات وراءهم قناعة منهم بشروط التضامن التي تتطلب التسامح وعدم الالتفات الى الماضي! ويبدو ان كل هذه الأسئلة التي تختصر جملة من المخاوف لدى الناخبين ما زالت حاضرة في أذهان المرجعيات التي تتشكل منها لائحة التضامن ومن خلفهم القوة الضاربة التي يمثلها تيار «المستقبل» في طرابلس. وفي هذا السياق علمت «الحياة» من مصادر وثيقة الصلة بلائحة التضامن ان التقاطع الانتخابي بين «المستقبل» والأحدب كاد يحدث ارباكاً انتخابياً على غرار الإرباك المترتب على الود السياسي والشخصي القائم بين ميقاتي وعبيد. وبحسب المعلومات نفسها فإن قول الأحدب في العلن حيناً وفي مجالسه الخاصة أحياناً أنه سيلقى الدعم الانتخابي من «المستقبل» كان وراء ايفاد النائب الحريري عدداً من أركان ماكينته الانتخابية المركزية في بيروت الى طرابلس والإقامة فيها لأيام عدة بغية طمأنة حلفائه بأن محازبي «المستقبل» ومناصريه سيقترعون بكثافة لجميع أعضاء اللائحة من دون استثناء باعتبار أن صدقيتهم في التحالف ستكون موضع اختبار وان تيار «المستقبل» ثابت على التزامه. كما ان ميقاتي الذي يكن كل احترام وتقدير لعبيد لن يسمح بالتفريط بصدقيته وبالتالي سيلتزم بتأييد المرشح الماروني على اللائحة سامر جورج سعادة، الذي أعد له برنامج انتخابي أتاح له القيام بزيارات خاصة للعائلات المسيحية في طرابلس وأخرى مسلمة على أمل أن تسهم في تحقيق «فك اشتباك» بينه والناخبين في المدينة تقود بالتالي الى وقف اصدار الأحكام المسبقة عليه أو محاكمته على النيات باعتبار أن طرابلس كانت على خلاف مع حزب الكتائب الذي ينتمي اليه. وعلى رغم أنه ليس في مقدور أحد أن يتكهن بنتائج هذه الزيارات ومدى تأثيرها في الناخبين المتحمسين للاقتراع لمصلحة عبيد الذي لا يمكن تصنيفه على أنه خصم للأكثرية في طرابلس أو معاد لقواها الرئيسة وتحديداً النائب الحريري، فإن الماكينات الانتخابية للائحة التضامن تتميز بوجود انسجام بين مؤيدي «المستقبل» وميقاتي الى حد التداخل وهذا ما يدعو الى الاطمئنان الى عدم قدرة المرشحين المنفردين على خرق اللائحة. كما ان الانسجام بين الماكينتين الانتخابيتين للحريري وميقاتي يقابله انسجام ولو بنسبة أقل مع الماكينة التابعة للصفدي الذي تنفي أوساطه وجود نية لديه للثأر من حليفه السابق النائب كباره الذي ينفي بدوره الانجرار الى معركة جانبية لتصفية الحسابات مع وزير الاقتصاد... اشاعات لكن كل مظاهر هذا الانسجام والتآلف، وتحديداً عبر إشعار الناخبين من جانب أركان اللائحة بأنهم شخص واحد، لا توقف حتى اشعار آخر الاشاعات التي تغزو الشارع الطرابلسي من أن أحمد كرامي الحليف لميقاتي على لائحة التضامن سيكون الأضعف بذريعة استهدافه من تيار «المستقبل» وهو يتساوى في هذا المجال مع سعادة على يد مؤيدي ميقاتي. إلا أن معظم أركان لائحة التضامن يصرون على التصدي للإشاعات اعتقاداً منهم بأن لا مصلحة في اضعاف أحمد كرامي لأن البديل المرشح للفوز هو الرئيس عمر كرامي وليس الأحدب... ويعزو هؤلاء السبب الى أن الرئيس كرامي ينطلق من قوة انتخابية تجييرية تعتبر الثانية بعد «المستقبل» وان القوى الثالثة تتمثل في ميقاتي الذي لديه حيثية في الشارع الطرابلسي من غير المنطقي تجاهلها أو القفز فوقها. وإذ تعترف المصادر المقربة من لائحة التضامن بأن الأحدب يشكل قلقاً دائماً للائحة، لكن الرئيس كرامي هو الوحيد الذي يهددها من دون أن تسقط من حسابها العامل الانتخابي لسورية في طرابلس باعتبار أنه لا يقتصر على ما وراء الحدود بل يتمتع بحضور لا يستهان به، وان كان يفتقر الى التأثير الذي يعطي لخصوم اللائحة الفرصة لتسجيل اختراق من شأنه ان يوصل الرئيس كرامي منفرداً الى الندوة البرلمانية. كما تعترف المصادر نفسها بالحجم الانتخابي للقوى والشخصيات التي تدور في فلك السياسة السورية في طرابلس، لكنها تعتقد بأن رفع نسبة الاقتراع سيؤدي حتماً الى تراجع حظوظ أي مرشح منفرد لاختراق اللائحة. خصوصاً إذا تجاوزت نسبة الأربعين في المئة، مع أن مصادر أخرى لا تستبعد أن يكون عبيد من خارج هذه الحسابات... بدورها تقول مصادر مقربة من الرئيس كرامي ان الأخير سيرشح معه الدكتور خلدون الشريف، وإن لا نية لديه بتأليف لائحة مكتملة أو ناقصة، مؤكدة أن القرار النهائي في هذا الشأن سيظهر الى العلن في الخطاب الذي سيلقيه في 31 أيار (مايو) في مهرجان الذكرى العشرين لاستشهاد شقيقه رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي. والى أن يتبين الموقف النهائي للرئيس كرامي من الانتخابات فإن مصادره تنفي بشدة احتمال عزوفه عن الترشح لأن مثل هذه الخطوة تعني أنه قرر الخروج من الحياة السياسية والتقاعد في منزله. حسابات كرامي وتضيف المصادر عينها ان الرئيس كرامي قرر المضي في المعركة وان خسارته، كما فوزه فيها تعني له الكثير، فأما أن يربح بشرف وأما أن يخسر بشرف في وجه لائحة مليئة حالياً وتتجمع فيها جميع القوى الرئيسة في طرابلس. ولفتت الى ان الرئيس كرامي سيحصل في حال الفوز أو الخسارة على نسبة كبيرة من الأصوات، مشيرة الى انه لم يقرر حتى الساعة التعاون مع أي مرشح باستثناء الشريف. واعتبرت ان خوضه للانتخابات منفرداً يعفيه من كل أشكال الاحراج سواء باتجاه العلويين الذين يحمّلون لائحة التضامن مسؤولية الإخلال بوثيقة الشرف التي رعاها مفتي طرابلس والشمال لوأد الفتنة المشتعلة ما بين أحياء القبة وباب التبانة من ناحية وجبل محسن ذي النفوذ الأساسي للعلويين من جهة ثانية. ورأت ان الأكثرية الساحقة من العلويين ستقترع لمصلحة الرئيس كرامي وان أطرافاً آخرين سيسيرون على خطاها وهي تتشكل من محازبي «المردة» برئاسة سليمان فرنجية و «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون ومن مؤيدي بعض الجماعات الإسلامية على رأسها حركة التوحيد اضافة الى محازبي رئيس حزب الطليعة النائب السابق عبدالمجيد الرافعي. وفي المقابل تعترف مصادر حيادية في طرابلس بأن الرئيس كرامي يتجنب الدخول في تعاون انتخابي مباشر مع أي طرف يمكن أن يؤثر سلباً في المناخ العام في المدينة، مؤكدة أن جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) ستقف على الحياد ما لم يطرأ أي تعديل على موقفها بذريعة عدم ضم مرشح عنها الى لائحة الرئيس كرامي، مع ان حضورها الانتخابي أصبح متواضعاً أسوة بالحضور الذي تمثله حركة التوحيد بزعامة الشيخ بلال سعيد شعبان. وبالنسبة الى المجموعات السلفية فإن حضورها الانتخابي لا يشكل أي تأثير على مجريات العملية الانتخابية، ليس لأنها منقسمة على نفسها، وانما لدورها المحدود بين الناخبين خلافاً للدور الذي ينسب لها إبان فترات التوتر التقليدي بين باب التبانة والقبة من ناحية وجبل محسن من ناحية أخرى... فالمجموعات السلفية تفتقد أولاً الوحدة مع أن بعضها رشحت الداعية حسن الشهال لخوض الانتخابات، اضافة الى ان ظهورها الإعلامي يفوق قوتها على الأرض وهذا ما ثبت من خلال غياب أي نشاط انتخابي ملحوظ لها في طرابلس ما عدا بعض اللافتات المرفوعة في أحياء معينة. وعليه فإن المشهد الانتخابي في طرابلس بدأ يكتمل من خلال المنافسة الدائرة بين لائحة التضامن والمرشحين المنفردين أبرزهم الرئيس كرامي والأحدب وعبيد ورفعت علي عيد، والأخير يخوضها من باب حصد أكبر عدد من أصوات المقترعين العلويين للتأكيد انه الزعيم الأوحد لهذه الطائفة ولن يبدل منه انسحاب هذا المرشح أو ذاك باعتبار ان انسحابه لن يغيّر في خريطة توزع الأصوات على المرشحين الأساسيين. لذلك فإن الرئيس كرامي يأتي في طليعة المهددين بخرق لائحة التضامن عن أحد مقاعد السنّة يليه عبيد، من دون تبديد القلق من الأحدب. وهذا ما يترتب على أركان اللائحة المزيد من التكاتف لمنع تعريضها الى الاختراق على رغم اصرار «جبهة العمل الإسلامي» بقيادة الداعية فتحي يكن على المبالغة في تقديم قوتها الى الرأي العام الطرابلسي خلاف ما هو قائم على الأرض بينما تسعى قيادة «الجماعة الإسلامية» في الشمال الى تثبيت حضورها للرد على ما يشاع من أنها تعاني من تعدد المواقع القيادية في داخلها بما يضعف تأثيرها الانتخابي...