أدلى المصريون أمس بأصواتهم في أول استفتاء شعبي بعد «ثورة 25 يناير»، وتوجه ملايين الناخبين الى لجان الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي اقترحتها لجنة شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة وسط تباين شديد في آراء المقترعين ما بين مؤيد ومعارض. وكان الإقبال الواسع السمة الأبرز، إذ شهدت اللجان فتاء زحاماً شديداً اضطر معه رؤساء اللجان الفرعية إلى طلب إمدادات من اللجان العامة بعد نفاد بطاقات التصويت والحبر الفوسفوري وامتلاء صناديق الاقتراع في ظل استمرار توافد المقترعين. وكان التصويت ببطاقة الرقم القومي للمرة الأولى ما ساعد في انتظام عملية الاقتراع. وسمح للمواطنين بالإدلاء بأصواتهم في أي لجنة انتخابية بعد التأكد من هويتهم وتسجيلها في دفاتر الاقتراع وبعد إدلاء المواطن بصوته يغمس اصبعه في حبر فوسفوري لضمان عدم تصويته في أي لجنة أخرى. وأقر المجلس العسكري عقوبة السجن والغرامة لمن يدلي بصوته أكثر من مرة في عملية الاستفتاء. وجرى الاستفتاء على تعديل 8 من مواد دستور العام 1971 متعلقة بشروط وآليات الترشح في الانتخابات المقبلة على رئاسة البلاد والبرلمان وعودة الإشراف القضائي على الانتخابات وتعديل مدة تولي سدة الحكم لتصبح 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وحالة الطوارئ والفصل في صحة عضوية البرلمان. والمواد المعدلة هي (75 – 76 – 77 – 88 – 93 – 139 – 148 – 189 ومكرراتها)، إلى جانب إلغاء المادة 179 المتعلقة بآليات مكافحة الإرهاب. وشارك نحو 16 ألفاً من أعضاء الهيئات القضائية المختلفة في الإشراف على لجان الاستفتاء الذي قدر عدد من يحق لهم الإدلاء بأصواتهم فيه بنحو 45 مليون. وتولى 28 ألف جندي و8 آلاف ضابط من القوات المسلحة تأمين لجان الاقتراع إلى جوار رجال الشرطة. ولوحظ اتباع قوات الأمن نهجاً مختلفاً عن كل عمليات الاقتراع في الماضي، إذ حافظوا على الحياد بدرجة كبيرة ولم يتدخلوا في أي شأن يتعلق بعملية الاقتراع، إلا بتوجيهات من القاضي المشرف على اللجنة. وقصرت اللجنة القضائية العليا المشرفة على الاستفتاء حق الإدلاء بالأصوات على المصريين الموجودين داخل البلاد. وأفيد بأن سفارات دول الاتحاد الأوروبي في القاهرة تابعت سير عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية من خلال المرور على بعض مراكز الاقتراع في المحافظات. ورغم كراهية المصريين للطوابير كونها تمثل أحد مظاهر الفساد والتراخي، غير أن المشهد في صفوف الناخبين والراغبين في الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء كان مختلفاً تماماً. وفي صورة لافتة، حرص وزراء ومسؤولون على الوقوف في طوابير الاقتراع وهو ما كان محل ترحيب المواطنين، لكن أياً منهم وحتى رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف لم يكشف رأيه بالموافقة أو الرفض، وهو ما اتبعه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي برر ذلك خشية تأثر أحد بموقفه الشخصي من الاستفتاء واقتفاء أثره، وكذلك فعل بابا الأقباط البابا شنودة الثالث. ولوحظ عدم مشاركة رموز النظام السابق في هذا الاستفتاء. وتوقع نائب رئيس هيئة قضايا الدولة المستشار مسعد عبد المقصود بيومي زيادة عدد الناخبين عن عدد البطاقات الانتخابية واحتمال طلب المزيد منها. ووصف الإقبال الكبير على صناديق الاقترع بأنه «صحوة شعبية ترجع إلى نتائج ثورة 25 يناير وإحساس الناس بأن صوتهم لن يضيع». وبدا أن الاستفتاء بات اختبار قوة لمختلف التيارات السياسية في ظل، حال الاستقطاب الذي سبقه وتزامن معه أيضاً. إذ استنفر الإسلاميون، وعلى رأسهم جماعة «الإخوان المسلمين» والسلفيون و»الجماعة الإسلامية» وحزبا «العمل» و»الوسط» ذو التوجه الإسلامي ومفكرون إسلاميون في حشد أنصارهم لإقرار هذه التعديلات، فيما رفضها غالبية الأقباط والأحزاب السياسية خصوصاً «الوفد»، و»التجمع»، و»الناصري»، و»الجبهة»، وأيضاً «ائتلاف شباب الثورة»، و»الجمعية الوطنية للتغيير» التي أسسها المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي، والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وكُتَّاب ومفكرون ليبراليون. واستمرت «حرب المنشورات» حتى بعد بدء عملية الاقتراع، إذ ظل شباب يوزعون منشورات على المواطنين تدعوهم إلى قبول هذه التعديلات ممهورة بتوقيع جماعة «الإخوان. وفي المقابل، وزع آخرون منشورات تدعو الى رفض التعديلات. وأكد مرشد «الإخوان» محمد بديع أن جماعته ستقبل نتيجة الاستفتاء أياً كانت. وقال، عقب إدلائه بصوته في مدرسة المنيل الإعدادية، إنه «مبهور وسعيد بحجم المشاركة فى التصويت»، معرباً عن أمله في أن «يكون هذا اختباراً حقيقياً للمصريين والديموقراطية». وأدلى عبود الزمر وابن عمه طارق وباقي أفراد عائلتهما بأصواتهم في لجنة مدرسة ناهيا الإعدادية مشتركة. وأوضح الزمر لدى خروجه للصحافيين أنه صوت بنعم لمصلحة البلد. في المقابل، اتهم رئيس حزب «الوفد» الدكتور السيد البدوي التيارات الدينية ب»اللعب على عواطف البسطاء من خلال الادعاء بأن الرافضين للتعديلات الدستورية يسعون لإلغاء المادة الثانية من الدستور»، واصفاً هذا التصرف ب»الممجوج سياسياً». واعتبر أن مصر تحتاج إلى دستور جديد يحميها وليس لتعديلات في الدستور القديم لكنه أكد أن حزبهالوفد «سيحترم نتائج الديموقراطية إذا جاءت النتيجة النهائية بنعم». وأبدى حزب «الجبهة الديموقراطية» قلقه الشديد من «انتهاكات شابت عملية الاستفتاء»، منها استخدام المساجد على نطاق واسع في حملة الدعاية للمؤيدين للتعديلات. واعتبر رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف عقب إدلائه بصوته أن ما حدث «عرس الديموقراطية في مصر وأحد دلائل الثورة». وقال نائبه الدكتور يحيى الجمل «سواء قلنا نعم أو لا المهم هو التجربة الديموقراطية الحقيقية التي يخوضها المصريون». وتحدثت تقارير لمنظمة حقوقية تابعت عملية الاستفتاء عن انتهاكات وعدم انتظام، لكنها أشادت ب»الإقبال غير المسبوق من الناخبين». وقال تقرير ل «الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية» إن بعض اللجان كان فيها بطاقات تصويت غير مختومة، ما يفتح الباب أمام التلاعب بأصوات الناخبين، وهو الأمر الذي أيده أيضاً مركز «سواسية» لحقوق الإنسان. غير أن اللجنة القضائية المشرفة على الاستحقاق أكدت صحة الاقتراع والفرز في حالة عدم ختم البطاقات. وقال مركز سواسية لحقوق الانسان إنه تقدم بشكوى للجنة العليا للاستفتاء بشأن تأخر بدء الاستفتاء في محافظة قنا (صعيد مصر). كما تحدث عن مخالفات في محافظة الدقهلية ومحافظة شمال سيناء. وتلقت اللجنة القضائية العليا شكاوى بشأن خلو بعض اللجان من الستائر للحفاظ على سرية التصويت، والازدحام في مقار التصويت بالمدارس.