يصنع الفنان التونسي نجا المهداوي من الأحرف والأرقام زوايا يكررها لفتح فضاء جديد عند كل حركة في لوحاته الغبارية المربعة والمستطيلة، التي تُحاكي روح التكعيب بمنطق شرقي حداثي. أعمال المهداوي المُعلّقة الآن على جدران غاليري «رفيا» الدمشقية، تضع المتلقي السوري أمام بنية بصرية جديدة ومختلفة، لم يتعوّد على هندسة جمالية من هذا النوع تستخدم الخط العربي بأسلوب غير مألوف. لا بد أن أسئلة كثيرة تتعلق بالسائد والمُكرر دفعت المهداوي إلى التجريب الذي أوصله إلى هذه المساحات التي ترفض في شكل واضح الرضوخ الى الشكل التقليدي للصياغة البصرية للحرف والرقم التي عرفها الشرق، أو التركيبة التي تعودت العين في العالم الإسلامي على رؤية الخط العربي فيها. يُكرر الفنان التونسي في كل مرّة يتحدث فيها عن أعماله: «قضيتي الرئيسة في الرسم هي أولاً السعي إلى الإبداع، وإرادة الإفلات من المتاهة الثقافية التي تجبرنا على الإذعان لنوع محدد، أو أسلوب مسبق ومنجز. كان لا بد لي فكرياً وثقافياً أن أبدأ بتفكيك الأشكال». القضية كما يراها المهداوي هي تخطي الشيفرة والانفصال عن الكتابة العلمية للفعل المرئي، وعن السلطة الموجبة للمعلن، وغير المعلن. المعرض الذي يضم أكثر من 20 عملاً يحمل بعضها ألواناً تكاد تخرج من تمايلها موسيقى صوفيّة. وتسعى الأعمال الى إظهار قيمة الحرف في تشكيل اللوحة وفق رؤية حداثية تعتمد الوعي المعاصر بقدرات الحرف التي لم يتم اكتشفاها إلى الآن. ويبني المهداوي أعماله على فرضية وجود وصلات وثيقة بين الحرف العربي والأشكال الهندسية الأخرى، ويترجم فرضياته من خلال خطوط وحركات لونية مستمدة من خبرة طويلة مع لغة الضّاد، وهو يعمل أيضاً على خلخلة الأسس التي قام عليها هذا الفن. ويستنبط من الكتابة الغبارية حروفه غير المقروءة التي تكاد أن تكون أقرب لعلامات أو رموز بصرية توهم المتلقي أنه أمام حروف عربية، لكن في الحقيقة هي أشكال لكلمات جُردت من خصائصها المعنوية ومن أي دلالة لفظية ضمن صياغات معاصرة. كما يردد المهداوي أيضاً في مقابلاته: «ما يهمني رسم وإنجاز عمل بصري انطلاقاً من أجزاء لمادة ما (شيفرة لفظية) بعد أن أقطع الطريق على كل البنية اللفظية المسبقة، والمحافظة فقط على الشكل بصيغته الجمالية. هذا الواجب تجاه الاستقلالية يتيح لي إنتاج توليفات وتركيبات فنية جمالية يحض فيها غياب القضايا النثرية على التجربة والمشاهدة بدل الإمعان والانشغال في القراءة». ونجا المهداوي من مواليد تونس (1937)، تخرج من أكاديمية «سانتا أندريا» في روما، ومن معهد متحف اللوفر في باريس في عام 1967. تابع تدريبه الأكاديمي في المدينة الدولية للفنون Cite Internationale des Arts في باريس، بموجب منحة زمالة من الحكومة التونسية. يّعد نجا عضواً محكَماً وضيف شرف في عدد من التظاهرات والمهرجانات العالمية، علاوة على أنه عضو لجنة تحكيم جائزة اليونيسكو للفنون. ويعتبر من أهم الفنانين التشكيليين في تونس، ورائد من روّاد الرمزية. ويوصف بأنه «مبدع الحروفية».