لو سألنا أنفسنا ما هو الرسم؟ يمكن أن تكون الإجابة: الرسم هو عبارة عن خطوط وملامس وأدوات نستخدمها على مسطحات ذات بعدين من أجل صنع لوحات فنية، ولكن لا تقتصر هذه الإجابة على صنع لوحة فنية فالجميع يستطيع أن يرسم عندما يعلم مفاتيح استخدام الألوان والأدوات ولكن لماذا يكون هناك تميز بين لوحة وأخرى حتى لو كانتا مرسومتين بنفس الأسلوب أو الاتجاه الفني؟ ولماذا نجد لوحات تصل أسعارها إلى أرقام فلكية ونحن ننظر لها على أنها لوحات عادية؟ لكي نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة لابد أن نعي أولاً أن هناك فرقا كبيرا بين الهاوي للفن والفنان التشكيلي؛ فالأول لا يتقن النسب التشريحية والدائرة اللونية والضوء والظل والنسبة والتناسب والمنظور إلى آخر منظومة الثقافة والممارسة الفنية بجانب عامل مهم جداً وهو الخيال وترجمته إلى أعمال فنية بحس لوني منسجم في الإيقاع ومهارة في توزيع عناصره وتوازن وجمال التكوين الذي يعد من أحد العناصر لجذب نظر المشاهد للعمل الفني، بينما الفنان التشكيلي ملم بجميع هذه الثقافات البصرية وممارس لها وقد نجد كثيراً من الفنانين والفنانات ونخص منهم الجيل الجديد في حاجة إلى النقد الجاد لتطوير أعمالهم فمن خلال ممارسة لجان التحكيم المخضرمين لرؤية وتحكيم الأعمال الفنية نجد أن هناك عددا من المشاركين والمشاركات الشباب وقد نقلوا حرفياً بعض أعمال زملائهم وهؤلاء الزملاء معروفون كرواد وأعمالهم تحمل تواريخ إنتاج لأعمالهم الفنية ربما تتعدى عمر الفنان الشاب المشارك وآخرون قد يلجأون إلى استخدام عنصر الإبهار باستخدام تقنيات وتوليفات بإضافة خامات بعضها معقدة بغرض الهروب من الأسس الفنية الصحيحة. فإذا ما راجعنا تاريخ الفنون على مر العصور سنجد رواده ممن استخدموا هذه الوسائط لم يستخدموها من فراغ بل كان هناك هدف قد يكون ملتصقاً التصاقاً وثيقاً بالاكتشافات العلمية أو الابتكارات الأدبية أو الظروف الاجتماعية التي عاصروها ومع هذا فقد تدرجوا في الأساليب الفنية المتعددة قبل الوصول إلى تقنياتهم المميزة على سبيل المثال لا الحصر الفنان بابلوا بيكاسوا وفان جوخ وغيرهم. من لوحات روبرت باسيت ولقلة أو ندرة النقاد في الساحة التشكيلية نجد الفنانين الشباب في تردد واحتياج للتوجيه لتطوير أعمالهم والحقيقة أن أساس العمل الفني هو الحس ولكي يوظف الفنان هذا الحس مع إلمامه ببعض من الأسس الفنية المذكورة فإنه يستطيع أن يكون ناقداً لنفسه مع الأخذ بالاعتبار عدة عوامل تساهم في تقدم تجربته الفنية والسبيل للوصول إلى هذه القدرة تنطلق من الاستمتاع بالقيم الجمالية واتحاد الخيال مع عنصر الواقع لأن الخيال هو ما يميز الرؤية الفنية عن غيرها من الرؤى فمهما كان موضوع العمل الفني ونخص منه اللوحة الفنية فإنه إما أن يتطرق إلى منظر طبيعي أو طبيعة صامتة أو تكوينات خيالية الخ. وباتباع منهج يمارسه الفنان عندما يكون في شروع إنتاج لوحة فنية قد يساهم في نقد الفنان لنفسه وتطوير الثقافة البصرية في أعماله يبدأ أولاً من منطلق فهم الفكرة المراد تحقيقها من خلال عمله الفني ومن ثم يبدأ بتخطيط عدد من الرسومات المبدئية يراعي فيها دراسة القيمة اللونية "تضاد الألوان الغامقة والفاتحة" وأين يتم وضعها مع دراسة للتدريجات اللونية باختيار دائرة لونية منسجمة وعند بداية تلوين العمل يبدأ بالتلوين من اللون الغامق إلى اللون الفاتح ومن عناصر كبيرة إلى عناصر صغيرة ومن ألوان شفافة إلى ألوان سميكة. كل لوحة فنية جيدة تحتوى على مفهوم بصري قوي، فغالباً ينشغل الفنان بجمال الموضوع وعناصره ولا يقف مستغرقاً ومتأملاً لجاذبية العمل الفني كوحدة متكاملة في طرق الأداء والتنفيذ والأصالة والتعبير معاً وقد وضع الفنان الأمريكي الأصل الذى له العديد من المؤلفات في مجال الفنون التشكيلية "روبرت بايست" منهجا يمكن الاستعانة به لتحقيق مفهوم بصري متوازن للوحة الفنية وهو كالآتي: "صياغة العناصر بأساليب مبتكرة تتمثل في ليونة اتجاهات الخطوط والمعالجات الشكلية وصياغة الأشكال بشكل جوهري، إيقاع لوني متناسق وخلاب، ترابط العناصر وعلاقة بعضها ببعض، التباين القوي بين الضوء والظل، تبسيط العناصر على قدر المستطاع والحالة المزاجية التي تغلب على العمل الفني في حالة التعبير عن الحزن أو السعادة، كما التعبير اللوني عن حالة الجو إذا كان صحواً أو عاصفاً أو ما شابه كما إذا كان صباحا أو ليلا، وأشكال مضيئة تلتقي مع أشكال معتمة وتدرج الألوان من الغامق إلى الوسط ثم الفاتح، وضربات فرشاة تنغمس في شحنات الفنان الانفعالية تاركة بصمات مركبة على سطح اللوحة". كلما تعمق الفنان في تشريح وتحليل الأعمال الفنية التي يشاهدها مع قراءة وافية لعدد من النقد في مجال الفنون التشكيلية كلما ارتقى بأعماله الفنية وتطور، فالعملية الإبداعية تتطلب جهداً ومثابرة ولا تعتمد فقط على مهارات تكنيكية أو تمكن من أدوات، والفنان الحقيقي هو من يحمل بداخله التحدي وهدف تعبيري يسعي للوصول إليه بتميز ويستطيع تحقيق هذا مع الممارسة المستمرة وصدقه بنقده لذاته.