في تونس أكثر من جمعية مدنية الهدف منها «حماية القيم العلمانية»، وجمعية «اللائكيين» تعتبر من أبرز هذه الجمعيات. وتتولى هذه الجمعيات خوض حرب استباقية ضد احتمال المطالبة بإلغاء قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة بحقوق المرأة، والبند الأول من الدستور، الذي سيكون مدار نقاش المجلس التأسيسي الذي سيتولى كتابة الدستور. هنا حديث مع رئيس الجمعية حمادي الرديسي: ما هي أهداف جمعيتكم؟ - نحن جمعية لم تقم بأي نشاط خلال مرحلة حكم زين العابدين بن علي، فنحن لم نحصل على ترخيص في تلك الفترة، ورفضت الحكومات السابقة إعطاءنا العلم والخبر الذي تقدمنا به. أنا شخصياً لم اكن عضواً فاعلاً في الجمعية، فقد أسسها ناشطون يبلغ عددهم نحو 40 شخصاً واتصلوا بي لكي أرأسها. الناس كانت تعتقد أن اللائكية ضيقة لكن بعد الثورة أخذت الجمعية دفعاً قوياً. وحصل نقاش حول الاسم، بين العلمانية واللائكية والعقلانية. اللائكية هي العلمانية المتبناة من قبل الدولة. يعني النموذج الفرنسي وليس النموذج الأميركي. النموذج الفرنسي هو أكثر راديكالية، ولهذا تبنيناه. ما هو مطلبكم الأول؟ - مطلبنا الأول الفصل الكامل بين الدين والدولة، كما هي الحال في لبنان وسورية وجيبوتي وإندونيسيا. أي أن لا يكون هناك دين للدولة. هذا لا يعني أنني أخاف من مسألة أن يكون الإسلام دين الدولة، لكن مطلبنا هو خطوة استباقية لاحتمال أن يطالب أحد في الدستور الجديد باستنساخ البند الثاني من الدستور المصري الذي يقول إن الإسلام هو مصدر التشريع. ما هو تقويمكم لممارسات النظام العلماني السابق؟ - كنا نعيش في ظل علمانية تسلطية، فقد تمت المحافظة على العلمانية بقوة الديكتاتورية. لا أقول اليوم إن العلمانية مهددة بالديموقراطية، بل هي مهددة بالثيوقراطية، هذه العبارة التي استعملها المودودي والتي قصد فيها الانتخاب في ظل سيادة سلطة الله على الأرض. قمتم بتظاهرة مؤخراً أعلنتم فيها خوفكم على القيم العلمانية في تونس، فهل تشعرون بأنها مهددة؟ - نزلنا إلى الشارع لأننا رأينا أشياء تحصل وهي غير مطمئنة. هناك محاولات لتغيير أئمة المساجد، واستبدال الحاليين بآخرين متشددين أو حركيين، وهذا مؤشر غير مطمئن على الإطلاق. وحصلت تصرفات كمهاجمة دور الدعارة ومنع بيع المشروبات في بعض المناطق. لكن أليس الشباب الذين قاموا بالثورة هم من سيحدد الهوية السياسية والاجتماعية للنظام؟ - الثورة كانت ثورة شباب وفايسبوك. الشباب في جوهره علماني، والإسلاميون سيبقون أقلية في تونس ولن يُهددوا الديموقراطية. لكن زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي قدم ضمانات بأن لا تطالب الحركة بتعديلات للكثير من مواد الدستور؟ - أنا ليس لدي مشكلة مع راشد الغنوشي، فهو اليوم حداثي ولكن في المستقبل من سيضمن لي أن لا يصل إلى قيادة الحركة شخص متشدد، ولذلك فإن الضمانات يجب أن تكون في الدستور وليس في التصريحات. يجب أن نضع دستوراً حاسماً لجهة الحريات العامة والخاصة. وأنا أطالب بمجلس جمهوري تشارك فيه الوزارات السيادية ومؤسسات المجتمع المدني تكون مهمته حماية الفصل الأول من الدستور. من الواضح انك قلق على العلمانية، فلماذا كل هذا القلق؟ -نعم مثلت لنا خطوة إسقاط الأئمة المعتدلين من المساجد سبباً للقلق، وكذلك اعتلاء راشد الغنوشي منابر المساجد وترديده عبارة أن الحبيب بورقيبة كافر من دون أن يجيبه أحد، وقول حمادي الجبالي إن الشريعة ستطبق في تونس في النهاية. اليوم الدولة ضعيفة جداً. ألا تعتقد أن حركة النهضة تتبنى النموذج التركي في الحكم، على ما يردد قادتها؟ - أنا أؤمن بالنموذج التركي، ليس بالحكومة الإسلامية في تركيا، بل بالعلمانية التركية. أنا بورقيبي أيضاً. بورقيبة كان حديثاً ومتسلطاً، فلماذا لا نقبل حداثته ونرفض تسلطه. تونس لم تجعل من الحجاب واجباً ولم تجعل من الأئمة سلفيين. إذا كانت العلمانية مهددة في تونس فسنكون ملايين: (Nous somme des millions).