اعتقلت السلطات البحرينية أمس عدداً من قياديي المعارضة الذين اتهمتهم ب «التخابر مع دول أجنبية وبالتحريض على القتل وتدمير الممتلكات العامة والخاصة»، في حين تصدت قوات الأمن لمحاولة خرق «حالة السلامة العامة» (الطوارئ) من قبل متظاهرين واستخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، لكن ذلك لم يحل دون اتخاذ السلطات قراراً بخفض ساعات حظر التجول في بعض أجزاء العاصمة المنامة، فيما دانت الأممالمتحدة مهاجمة الشرطة البحرينية مراكز طبية واعتبرت ذلك انتهاكاً للقانون الدولي. وأعلنت القيادة العامة لقوة دفاع البحرين في بيان انه «وبموجب الصلاحيات المخولة لها بتنفيذ أحكام المرسوم رقم (18) للسنة 2011 في شأن إعلان حالة السلامة الوطنية فقد تم بتاريخ 17 آذار (مارس) 2011 القبض على عدد من القياديين من رؤس الفتنة الذين نادوا بإسقاط النظام وتخابروا مع دول أجنبية، كما قاموا بالتحريض خلال الأحداث الأخيرة على قتل المواطنين وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، ما تسبب في تقويض السلم الأهلي وإزهاق أرواح الأبرياء وترويع المواطنين والمقيمين». وأضاف البيان إن القيادة العامة «ستتخذ كل الإجراءات القانونية اللازمة بحق المذكورين وفقاً لمرسوم إعلان حالة السلامة الوطنية والقوانين المعمول بها في المملكة». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن النائب المستقيل خليل مرزوق من «جمعية الوفاق الوطني الإسلامية» التي تمثل التيار الشيعي الرئيسي في البلاد، أن المعتقلين هم إبراهيم شريف وعبدالوهاب حسين وحسن الحداد وحسن مشيمع وعبدالهادي المخوضر وعبدالجليل السنكيس. واستنكر مرزوق الاعتقالات، مشيراً إلى أن هؤلاء «كانت مطالبهم كلها في الأطر السلمية، وحتى من طالب بإسقاط النظام كان يعبر عن رأيه سلمياً». يذكر أن مشيمع، وهو الأمين العام لحركة «حق» الشيعية المتشددة، كان عاد أخيراً إلى البحرين بعدما أسقطت عنه التهم في قضية تتعلق بالإرهاب، فيما كان كل من السنكيس، وهو الرجل الثاني في الحركة، والحداد والمخوضر، معتقلين في القضية نفسها وأفرج عنهم بعيد اندلاع الحركة الاحتجاجية في البحرين الشهر الماضي بموجب عفو ملكي. أما عبدالوهاب حسين الذي يرأس «تيار الوفاء»، وهو تيار شيعي صغير، فكان من ابرز الذين دعوا إلى إسقاط الملكية في البحرين خلال التحركات الاحتجاجية المطالبة بالتغيير والتي بدأت في 14 شباط (فبراير). وحملت «جمعية العمل الوطني الديموقراطي» (وعد) المعارضة (يسار)، السلطات المسؤولية الكاملة عن سلامة أمينها العام إبراهيم شريف (سني) وطالبت بالإفراج الفوري عنه. وقالت في بيان «إن محامي الجمعية وأسرة شريف لم يستطيعوا حتى الآن معرفة مكان اعتقاله أو الجهة التي اقتيد إليها». وقال البيان «إن جمعية وعد تشجب هذا الإجراء التعسفي الذي يهدف إلى تكميم الأفواه (...) وتحمل النظام السياسي المسؤولية الكاملة عن سلامته وسلامة أسرته» ودعت «كل الجمعيات السياسية والحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني المحلية والعالمية إلى سرعة التدخل للإفراج الفوري عن شريف». وكانت حركة «حق» دعت مع «تيار الوفاء» وتيار شيعي ثالث، إلى «جمهورية ديموقراطية» في البحرين، وإلى «إسقاط النظام» الملكي، متجاوزة بذلك سقف «جمعية الوفاق» التي تدعو إلى إصلاحات سياسية كبيرة مع الإبقاء على الملكية. وجاءت الاعتقالات بعد يوم من إنهاء قوات الأمن بالقوة اعتصاماً في دوار اللؤلؤة بوسط المنامة ما اسفر عن مقتل ثلاثة متظاهرين وشرطيين اثنين. وأطلقت الشرطة امس النار وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين في قرية ديه الشيعية غرب المنامة. وقال مدير «مركز البحرين لحقوق الإنسان» نبيل رجب إن رجال الأمن اطلقوا النار من بنادق إضافة إلى القنابل المسيلة للدموع على مئات المتظاهرين الذين تجمعوا عفوياً. وذكر مراسل «فرانس برس» أنه شاهد عناصر من شرطة مكافحة الشغب ينتشرون عند مدخل القرية ويطلقون القنابل المسيلة للدموع. وقامت آليات عدة للشرطة بإغلاق مدخل القرية والطريق بينها وبين قرية جيد حفص القريبة. وفي المقابل، أعلن ناطق باسم قوة دفاع البحرين في بيان تلاه عبر التلفزيون الحكومي خفض ساعات حظر التجول الجزئي في بعض الأحياء الحساسة بوسط المنامة، أربع ساعات ليصبح من الثامنة مساء وحتى الرابعة فجراً. وطالب زعيم جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان في تصريح إلى قناة «الجزيرة» القطرية بانسحاب القوات السعودية من البحرين، ودعا إلى «تحقيق تجريه الأممالمتحدة في ما حدث منذ يوم 14 شباط (فبراير) وحتى الآن، وإذا ثبت ارتكاب المحتجين خطأ فينبغي محاسبتهم». وناشد المعارضين «التمسك بالوسائل السلمية في تحركهم». جولة ميدانية للملك وقام ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة امس بجولة في منطقة «السيف» القريبة من دوار مجلس التعاون (اللؤلؤة) للاطلاع على حركة السير والاطمئنان على عمل المؤسسات المالية في المنطقة. وقالت «وكالة أنباء البحرين» الرسمية إن الملك يرافقه القائد العام لقوة الدفاع المشير الركن الشيخ خليفة بن احمد آل خليفة «قام بجولة في منطقة المراكز المالية بضاحية السيف للاطلاع على حركة السير والاطمئنان إلى استمرار عمل مؤسسات المراكز المالية والمصارف إلى جانب مؤسسات الدولة ووزاراتها في تلك المنطقة». وأضافت الوكالة أن العاهل البحريني «أشاد بالإجراءات التي اتخذتها قوة الدفاع ووزارة الداخلية والحرس الوطني لإعادة الحياة الطبيعية إلى هذه المنطقة الحيوية والمهمة»، متمنياً «لوطننا العزيز دوام النمو والرقي ولجميع المواطنين الكرام المزيد من المحبة والأمن والوئام». وطمأن وزير الصناعة والتجارة البحريني حسن عبدالله فخرو المواطنين امس إلى توافر احتياجاتهم من المواد الغذائية والتموينية المختلفة مؤكداً خلال جولة له في بعض الأسواق والمراكز التجارية أن لا ضرورة لتهافتهم على المحال والأسواق للتزود بها. واستأنفت بورصة البحرين نشاطها المعتاد بعد إغلاقها الأربعاء بسبب إعلان حالة الطوارئ، وأعلن متحدث باسمها أن «البورصة تعمل كالمعتاد». كذلك أعاد مصرفا «ستاندرد تشارترد» و «أتش أس بي سي» امس فتح بعض فروعهما في البحرين بعد إغلاقها اول من امس. وقال الأول انه أعاد فتح أربعة فروع بينما استأنف الثاني العمل في فرع واحد. من جهة ثانية، قالت مصادر في صناعة النفط إن شركة نفط البحرين «بابكو» المملوكة للدولة أوقفت الإنتاج جزئياً امس بسبب نقص العاملين نتيجة الاضطربات التي تشهدها المملكة. ولم يتضح حجم الإنتاج الذي تأثر في المصفاة التي تزيد طاقتها الإنتاجية عن 250 ألف برميل يومياً. وقال تاجر «هناك اغلاق جزئي في بابكو بسبب نقص العاملين نظراً للاحتجاجات الحالية». ولم يتسن الوصول على الفور إلى المسؤولين في بابكو للتعقيب. وذكر تاجر آخر «إذا استمرت الأمور على هذا المنوال أعتقد أننا سنشهد ارتفاعاً في أسعار منتجات لأننا لا نعرف متى سيعود العمال إلى عملهم». مواقف إيرانية وفي طهران، أعلنت وكالة أنباء «فارس» أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم وصل إلى العاصمة الإيرانية للتشاور مع المسؤولين، وخصوصاً وزير الخارجية علي أكبر صالحي، حول الأوضاع الحالية في المنطقة، ولا سيما في البحرين. وكان صالحي أجرى اتصالات هاتفية الأربعاء بكل من المعلم ونظيره العراقي هوشيار زيباري ونائب رئيس الوزراء الكويتي، تناولت الوضع في البحرين. كذلك اتصل الوزير الإيراني بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي اكمل الدين احسان اوغلو والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، معرباً عن «قلق الجمهورية الإسلامية من التدخل العسكري في البحرين». واتصل صالحي امس بنظيره العماني يوسف بن علوي، داعياً «الدول الإسلامية خصوصاً دول المنطقة إلى تكثيف الجهود للحيلولة دون قتل الأبرياء في البحرين»، معتبراً أن «الالتفات إلى مطالب الشعب المشروعة وتلبيتها هو الضمان للاستقرار والهدوء، وإن التعامل بالقوة سيترك جروحاً غائرة»، بحسب ما أوردت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء. ونفى مصدر إيراني مطلع « للحياة » أن تكون طهران في وارد إرسال قوات عسكرية إلى البحرين رداً على دخول قوات «درع الجزيرة» الخليجية، وقال إنها لا تفكر بمثل هذه الخطوات «التي لا تخدم امن واستقرار البحرين، كما إنها لا تخدم امن واستقرار المنطقة »، مشيراً إلى أن بلاده «تحترم سيادة واستقلال كل دول المنطقة بما في ذلك البحرين، وتعارض أي تدخل خارجي في شؤون هذه الدول». وشدد المصدر علي الجهود التي تبذلها إيران من اجل وقف «العنف ضد المتظاهرين» ودعوتها إلى «استجابة مطالب الشعب البحريني». وتظاهر بضع مئات من رجال الدين الذين يدرسون في الحوزات الإيرانية أمام سفارتي البحرين والمملكة العربية السعودية في طهران «احتجاجاً على القمع العنيف للمتظاهرين في البحرين». وذكرت «وكالة الأنباء الإيرانية» الرسمية أن المتظاهرين رشقوا سفارة البحرين بالبيض. ومن المقرر تنظيم مسيرات جديدة للغرض نفسه بعد صلاة الجمعة اليوم. ردود فعل دولية وفي جنيف، دانت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة نافي بيلاي مهاجمة قوات الأمن البحرينية مستشفيات ومراكز طبية ورأت في ذلك «انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي». وقالت بيلاي في بيان إنها «قلقة جداً إزاء تصاعد العنف من قبل قوات الأمن في البحرين، لا سيما المعلومات التي أشارت إلى مهاجمة مستشفيات ومراكز طبية»، واعتبرت هذه الأعمال «مثيرة للصدمة» وتشكل «انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي». وكانت وزارة الداخلية البحرينية أعلنت الأربعاء «تطهير» مجمع السلمانية الطبي اكبر مستشفى في البحرين، من متظاهرين تحصنوا فيه. وأعلن وزير الصحة نزار البحارنة، وهو شيعي، استقالته في أعقاب ذلك. وأضافت بيلاي «تلقيت العديد من الاتصالات اليائسة ورسائل إلكترونية من أشخاص عديدين في البحرين يتخوفون من نوايا القوات المسلحة»، مشيرة إلى «عمليات توقيف تعسفية واغتيالات وتعرض بالضرب لمتظاهرين وأطباء». وتابعت «الأمر يثير الصدمة وغير شرعي. على الشرطة والقوات المسلحة أن تبتعد على الفور عن المراكز الطبية وأن تتوقف عن ترهيب ومضايقة العاملين في المجال الطبي». ونددت أيضاً بقطع التيار الكهربائي عن المستشفى الرئيسي في العاصمة، مشيرة إلى خطر وفاة مصابين في حال عدم عودة التيار سريعاً. وقالت بيلاي «أطالب الحكومة بألا تستخدم القوة ضد متظاهرين غير مسلحين وأن تؤمن العلاج الطبي للمصابين ونزع سلاح مجموعات الدفاع الذاتي بمن فيهم مسؤولو الأمن بزي مدني». وقالت إن «البحرين بصفتها (دولة) موقعة على الشرعة الدولية للحقوق المدنية والسياسية، عليها أن تظل مدركة لالتزاماتها، وحالة الطوارئ لا تبرر الحرمان التعسفي من حقوق الإنسان». ودعت المفوضة العليا من جهة أخرى المتظاهرين والحكومة إلى بدء «حوار فوري لإجراء إصلاحات كبيرة ووضع حد للعنف». أما «منظمة العفو الدولية» فقالت في تقرير حول البحرين امس إن الحكومة البحرينية «اختارت على يبدو التعامل مع المتظاهرين بواسطة القمع العنيف، وهو حل غير مستدام ويمكن أن يشكل نموذجاً سيئاً لحكومات أخرى تواجه تحركات شعبية مطالبة بالتغيير». ودعت المنظمة السلطات في المنامة إلى «ممارسة رقابة حقيقية على عمل القوات الأمنية والحفاظ على حق حرية التعبير والتجمع بما في ذلك الحق في التظاهر». في هذا الوقت، حضت بريطانيا رعاياها امس على مغادرة البحرين، وقالت وزارة الخارجية في توصية «نطلب من المواطنين البريطانيين الذين ليس لهم أي سبب ملح للبقاء المغادرة الخميس من مطار البحرين الدولي، حيث لا تزال الرحلات التجارية قائمة وما زال المطار مفتوحاً ويعمل بشكل طبيعي». وأوضحت الوزارة أن «حكومة المملكة المتحدة تستأجر طائرات لزيادة الخيارات التجارية المتاحة» مقترحة أيضاً تقديم مساعدة لأي بريطاني لا يمكنه شراء بطاقة سفر. وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون تشاور هاتفياً الأربعاء مع العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة داعياً إياه إلى «الحوار» والتجاوب مع المتظاهرين «عبر إصلاحات وليس بالقمع»، بحسب بيان لرئاسة الحكومة البريطانية. بدوره، أعرب وزير الخارجية ستيفن فاناكيري في بيان عن «قلقه من أعمال العنف التي حصلت أخيراً في البحرين حيث يخشى أن تتصاعد التوترات الطائفية». ونصح مواطنيه بعدم السفر إلى هذا البلد «نظراً لتدهور الوضع الأمني»، ودعا «الذين لا ضرورة لوجودهم إلى مغادرة البلاد موقتاً». وبعدما ناشد «قوات الأمن (البحرينية) الامتناع عن استعمال القوة المفرطة ضد المتظاهرين»، أيد وزير الخارجية البلجيكي تصريح وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون التي دعت مختلف الأطراف إلى ضبط النفس.