نظم مئات الآلاف وسط برشلونة أمس، تظاهرة احتجاج على خطط الحكومة في كاتالونيا للاستقلال عن إسبانيا التي لوّح رئيس وزرائها ماريانو راخوي بتجميد الحكم الذاتي في الإقليم. والمسيرة هي الأضخم لمؤيّدي الوحدة في إسبانيا، والذين خرجوا أخيراً عن صمتهم، منذ ظهور تيارات انفصالية في الإقليم، وعكست شرخاً يعقّد مساعي الاستقلاليين، عشية خطاب يلقيه رئيس حكومة كاتالونيا كارليس بيغديمونت أمام البرلمان المحلي غداً، وسط تكهنات بإعلان أحادي للاستقلال. وكانت سلطات الإقليم أعلنت أن 90 في المئة من 2.3 مليون شخص أدلوا بأصواتهم أيّدوا الانفصال، في استفتاء نُظم مطلع الشهر الجاري. وأشارت إلى نسبة مشاركة بلغت 43 في المئة، ما يعني أن معظم الناخبين امتنع عن الاقتراع، ويُرجّح أن غالبيتهم معارضة للاستقلال. ونُظمت المسيرة الضخمة أمس تحت شعار «كفى! لنتعقل». ولوّح مشاركون بأعلام إسبانيا وكاتالونيا ورفعوا لافتات كُتب عليها «كاتالونيا هي إسبانيا» و «نحن أقوى معاً». وقال أليخاندرو ماركوس (44 سنة): «لا نريد استقلالاً، إننا صامتون منذ فترة طويلة». وقالت أراثيلي بونثه (72 سنة): «نشعر بأننا كاتالونيون وإسبان. نواجه مجهولاً خطراً، سنرى ماذا سيحدث هذا الأسبوع، ولكن علينا أن نتحدث بصوت عال جداً لكي يعرفوا ماذا نريد». أما العقيد خاكوان بيناس (52 سنة) فاعتبر أن «وصل الوضع إلى نقطة تحوّل»، مضيفاً: «علينا المشاركة بفاعلية في الدفاع عن قيم إسبانيا بوصفها أمّة». ونبّه إلى أن إعلان استقلال كاتالونيا سيكون بمثابة «قطع إحدى ذراعَي» إسبانيا، مشيراً إلى «قلق بالغ» من امتناع الحكومة عن التحرك لتسوية الأزمة. وتابع: «لا ثقة كبيرة لديّ بالحكومة. إنها ليست حكومة تتقن استباق الأحداث. لا يسع راخوي أن يكون قائداً، إنه سيئ جداً». وشارك في التظاهرة الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا (81 سنة)، الحائز جائزة «نوبل» للآداب، والذي اعتبر النزعة الانفصالية «مرضاً»، متهماً الانفصاليين بنسج «مؤامرة ستجعل (إسبانيا) من دول العالم الثالث». وأضاف: «الديموقراطية الإسبانية هنا وستبقى هنا، وأي مؤامرة انفصالية لن تقضي عليها». وأشاد ببرشلونة «عاصمة الثقافة الإسبانية المنفتحة على العالم»، وزاد: «نريد أن تعود كاتالونيا عاصمة إسبانيا الثقافية، كما كانت عندما أقمت هنا» في سبعينات القرن العشرين. ونبّه إلى أن «الشغف قد يصبح مدمراً ومتوحشاً، عندما يغذيه التعصب والعنصرية. والشغف الأسوأ هو الأكثر ضرراً في التاريخ، الشغف القومي». واعتبر أن «الأمر يحتاج إلى أكثر من مؤامرة انقلابية لتدمير ما شُيِد خلال 500 عام من التاريخ، ولن نسمح بذلك»، مضيفاً: «سنثبت للأقلية الانفصالية أن إسبانيا هي بلد الحداثة». وحذر رئيس «الجمعية المدنية الكاتالونية» المعارضة للاستقلال ماريانو غوما من أن «إعلاناً أحادياً (للاستقلال) سيؤدي إلى تفكّك البلاد»، علماً أن ذلك سيسفر أيضاً عن إقصاء الإقليم من الاتحاد الأوروبي، ولن يستطيع دخوله مجدداً إلا بعد عملية انضمام جديدة. وكان راخوي كرّر رفضه «النقاش في شأن وحدة البلاد»، وزاد: «لن نتحدث تحت تهديد. لنكن جديين: لا يمكن أن نبني شيئاً إذا لم يزُل التهديد ضد وحدتنا الوطنية». وأقرّ باحتمال «حصول أخطاء» بعد عنف مارسته الشرطة في كاتالونيا لمنع الاستفتاء، مستدركاً أن الخطأ الجوهري ارتكبه قادة الإقليم بتعريضهم «السيادة الوطنية» لخطر. وسألت صحيفة «إلباييس» راخوي عن إمكان تطبيق المادة 155 من الدستور التي تتيح تجميد العمل بالحكم الذاتي في كاتالونيا وإقالة حكومة الإقليم والدعوة إلى انتخابات محلية جديدة، فأجاب: «لا أستبعد شيئاً في إطار القانون، لكن يجب أن أفعل الأشياء في وقتها. أرغب في سحب التهديد بإعلان الاستقلال بأسرع وقت. الوضع المثالي هو ألا نُضطر لاتخاذ إجراءات جذرية، ولكن هذا الأمر يتطلب تصحيحاً للمسار» من حكومة الإقليم. وشدد على أن «الوقت ما زال متاحاً» أمام قادة كاتالونيا للتراجع عن موقفهم، مناشداً القوميين الأكثر اعتدالاً الابتعاد عن «المتطرفين». وأعلن أنه يخطط لترك 4 آلاف شرطي إضافي أرسلتهم الحكومة إلى كاتالونيا مطلع الشهر، إلى حين انتهاء الأزمة. ودفعت الأزمة السياسية نحو 15 شركة إلى نقل مقارها خارج كاتالونيا، بينها مصرفا «كايجابنك» و «ساباديل». وقال خوان روسيل، رئيس أبرز منظمة لأرباب العمل في إسبانيا، إن الشركات المتمركزة في كاتالونيا «قلقة جداً»، متحدثاً عن «انعدام أمن قانوني فظيع». وأضاف: «لم نتصوّر يوماً أننا سنصل إلى هذا الحدّ». ولفت إلى أن «فنادق برشلونة تسجّل انخفاضاً كبيراً في نسبة الحجوزات»، مشيراً إلى أن «السياح يرون اشتباكات وتظاهرات في الشوارع، وهذا لا يعجبهم».