مع اقتراب موعد الاستفتاء على تعديلات دستورية اقترحتها لجنة شكلها المجلس العسكري الحاكم في مصر بعد أيام من توليه زمام الأمور، تزايدت الضغوط على قيادات الجيش مع ارتفاع الأصوات الرافضة لإجراء الاستفتاء أو على الأقل إرجائه وإجراء مزيد من التعديلات لضمان حصول توافق وطني عليه. ويحق لنحو 45 مليون شخص التصويت السبت المقبل على تعديل تسع مواد من الدستور من شأنها تخفيف القيود المفروضة على الترشح للرئاسة وتحديد ولايات الرئيس بولايتين متتاليتين مدة كل منهما أربع سنوات، وتسمح بإشراف قضائي على العملية الانتخابية. كما أنها تحظر إحالة المدنيين على المحاكمات العسكرية. وأظهر المجلس العسكري أمس إصراراً على إجراء الاستفتاء في موعده رغم رفض غالبية القوى السياسية، وحذر من أي تحركات لإعاقة التصويت. وتواجه التعديلات الدستورية عقبات عدة، في مقدمها دعاوى قضائية يعتزم رافضون للتعديلات تحريكها للمطالبة بوقف الاستفتاء، ينظر القضاء الإداري اليوم أولاها. ودعا أمس المجلس الأعلى للقوات المسلحة «أبناء هذا الوطن الشرفاء إلى التوجه إلى لجان الاستفتاء لإثراء هذه التجربة الديموقراطية التي يسجلها التاريخ بكل فخر لهذا الشعب العظيم بغض النظر عن قبول التعديلات أو رفضها». وحذر من «أي اعتصامات أو تظاهرات في يوم الاستفتاء من شأنها تعطيله أو إعاقة الناس من الذهاب إلى لجان الاقتراع». وأكد أن «القوات المسلحة قامت بأداء المهمات المكلفة بها بالحفاظ على أمن البلاد وسلامتها وعلى مكاسب ثورة 25 يناير، وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها خير من يؤتمن على الحفاظ على مطالب الشعب». واعتبر أن التعديلات «تهيئ مناخ الحرية وتيسر سبل الديموقراطية... وتحقق المطالب المشروعة التي عبر عنها الشعب خلال الأيام الماضية». وأعلن رئيس اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء المستشار محمد عطية أمس أن العملية ستجرى في موعدها المقرر السبت المقبل، تحت إشراف قضائي بمشاركة 16 ألفاً من القضاة وأعضاء الهيئات القضائية المختلفة يشرفون على 46 ألف لجنة اقتراع، مشيراً إلى أن «من لهم حق الإدلاء بأصواتهم ممن يحملون بطاقة الرقم القومي وفوق سن 18 عاماً يقدر تعدادهم ب 45 مليون مواطن». واعتبر الاستفتاء «خطوة سياسية مهمة على طريق التحول الديموقراطي الذي تشهده مصر في أعقاب ثورة 25 يناير، خصوصاً انه سيتم على اثرها نقل السلطات الدستورية والمدنية العليا إلى سلطة مدنية منتخبة من الشعب، والعمل على تأسيس جمهورية جديدة تعلي مبادئ القانون والعدل والمساواة». وأشار إلى أنه «لكل مصري الحق في الذهاب إلى لجان الاقتراع للإدلاء بصوته بموجب بطاقة الرقم القومي (بطاقة الهوية) التي يحملها»، داعياً المصريين إلى «الحرص على الإدلاء بأصواتهم سواء بالموافقة أو الرفض، إعمالاً لحقهم القانوني والدستوري». وأوضح أن «الاستفتاء سيجرى من الثامنة صباحاً حتى السابعة مساء، ليتم بعد ذلك فرز صناديق الاقتراع تمهيداً لإعلان النتيجة». وذكر أن «القوات المسلحة قررت أن يتولى 28 ألف جندي و8 آلاف ضابط تأمين لجان الاقتراع إلى جوار رجال الشرطة حفاظاً على أرواح الناخبين والقضاة المشرفين على الاستفتاء، وضمان سير عملية الاقتراع بسلاسة من دون أن يعكر صفوها أي شيء». وأشار إلى أن المصريين في الخارج «ليس لهم حق الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء»، مناشداً المشرع «سرعة إجراء تعديل تشريعي على نحو يتيح للمصريين المقيمين في الخارج الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاءات والانتخابات المرتقبة». في المقابل، راجت على موقع «فايسبوك» دعوات إلى تظاهرة مليونية لرفض الاستفتاء تحت مسمى «جمعة الرفض»، كما يعتزم ناشطون تنظيم وقفة احتجاجية للتنديد بالتعديلات الدستورية وتأكيد سقوط الدستور الذي كان يحكم به الرئيس السابق حسني مبارك، والمطالبة بدستور جديد. وتنظر محكمة القضاء الإداري اليوم في القضية المرفوعة لوقف الاستفتاء، فيما أعلن الأمين العام السابق للمجلس القومي لحقوق الإنسان الدكتور أحمد كمال أبو المجد أنه قدم مذكرة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الوزراء الدكتور عصام شرف، لدرس إمكان تأجيل الاستفتاء لمدة أسبوع. وطالب بإعطاء الفرصة لاستفتاء المواطنين على كل بند على حدة من البنود التي تم تعديلها، «بحيث يتم تجزئة المواد المعدلة وإجراء استفتاء في شكل جزئي يعطي الفرصة للشعب المصري أن يوافق على البنود المعدلة التي يرى أنها في مصلحته ولا يوافق على البنود التي يخشى منها». في غضون ذلك، بحثت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون مع المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية المرشح للرئاسة الدكتور محمد البرادعي، في تطورات الأوضاع في مصر، بعدما التقت رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس الوزراء ووزير الخارجية نبيل العربي والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى. وتصل القاهرة اليوم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في زيارة تستغرق يومين تلتقي خلالها كبار المسؤولين «للاستماع إلى الرؤية المصرية للتحول الديموقراطي والدعم الذي يمكن أن تقدمه واشنطن إلى القاهرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي». وأفيد أن لقاءً موسعاً يجرى الترتيب له سيعقد مساء اليوم بين الوزيرة الأميركية وعدد من الناشطين السياسيين، كما ستلتقي كلينتون في إطار زيارتها عدداً من ناشطي المعارضة الليبية الموجودين في مصر، للبحث في كيفية دعم واشنطن تحركات المعارضة هناك. وقالت مصادر مطلعة ل «الحياة» إن كلينتون ستزور ميدان التحرير، قبل عقد اللقاء مع الناشطين السياسيين، لكن عضو «ائتلاف شباب الثورة» المنسق الإعلامي في «حركة شباب 6 أبريل» محمد عادل قال ل «الحياة» إن الائتلاف رفض ثلاث دعوات تم توجيهها إلى أعضائه شادي الغزالي حرب وأحمد ماهر وزياد العليمي. وأوضح أن «الائتلاف يرفض الجلوس مع المسؤولين الأميركيين، خصوصاً أن واشنطن كانت تدعم النظام السابق، كما أن موقفها كان مريباً طوال أيام الثورة». من جهة أخرى، أمرت النيابة العامة أمس بسجن النائب السابق عن الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم سابقاً عبدالناصر الجابري لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات التي تجريها النيابة معه في شأن ضلوعه وتمويله لوقائع الاعتداء على المتظاهرين في 2 شباط (فبراير) الماضي في ما سمي ب «معركة الجمل». وقال النائب العام المساعد المستشار عادل السعيد إن «النيابة أسندت إلى الجابري تهمة الاشتراك في قتل بعض المتظاهرين والشروع في قتل آخرين»، مشيراً إلى أن «النيابة قامت أيضاً بسؤال كل من وزيرة القوى العاملة السابقة عائشة عبدالهادي، ورئيس اتحاد العمال حسين مجاور، ورجل الأعمال القيادي في الحزب الوطني إبراهيم كامل». وأوضح أن النيابة تنسق مع لجنة تقصي الحقائق «للوقوف على ما توصلت إليه من معلومات في هذا الشأن». وكشف النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود أنه سيتم استجواب 120 من أعضاء الحزب الوطني وغيرهم «في إطار تحقيقات موسعة ستباشرها النيابة، بعد ورود تلك الأسماء ضمن تقرير لجنة تقصي الحقائق، متهمة بالضلوع في الاعتداءات التي وقعت بحق المتظاهرين سلمياً في ميدان التحرير». لكنه لم يكشف الأسماء التي تضمنها التقرير «حرصاً على سرية التحقيقات وسلامتها وسلامة من سيتم معهم التحقيق وسماع أقوالهم».