على رغم كل القنوات الفضائية العربية التي فاقت الألفين فإن المواطن العربي ما زال حبيس مفردات «مخدوع» و «مخلوع» و «مهجور» و «مهزوم». لم تأت المفردات الأربعة السابقة من بحث أو دراسة إنما حملها فيديو كليب اللبنانية ياسمين حمدان، وجلها كانت مرتبطة بالواقع الاجتماعي والسياسي العربي وبوسائل الإعلام فيه وتحديداً الفضائيات العربية. ويبدو أن هذا الفيديو كليب المختلف يحمل فرصة لإعادة نقاش علاقة الشاشات العربية بالمواطنين وقضاياهم وحملها أصواتهم، لا سيما أن المغنية كما يظهرها الكليب تهرب من الأزمة المرورية الخانقة في الشارع وضجيج الناس وخلافاتهم وتقتحم الاستوديو التلفزيوني بصفتها مواطنة مطحونة وتعيش الواقع الصعب وتطرد «المذيعة الرسمية/ التقليدية»، وتجلس مكانها وتبدأ بطرح قضيتها مرددة بالغناء: «أنا رهين الوضع الأمني... أنا المواطن المخدوع... أنا المواطن المخلوع... أنا اللي صمتي خانقني... أنا اللي صمته مش مسموع، أنا بعاني من العزلة...الخ». ويبدو ذلك تعبيراً فنياً دالاً على حال العلاقة الملتبسة بين الشاشة والمواطنين في ما يشبه حكماً في سلبية هذه العلاقة وارتهانها إلى مجموعة كبيرة من الاعتبارات إلا صوت الناس ومعاناتهم المتواصلة. في الفيديو كليب يبدو جلياً أن صدمة تحدث في غرفة الكونترول الخاصة بالاستوديو بعد دخول المغنية واحتلالها الهواء من دون تخطيط حيث حيرة العاملين هناك، فيما نرى رجل أمن يخبر مسؤوليه عما يحدث تواً وعلى الهواء مباشرة. لا تتعلق أغنية «بلد» التي نشرتها المغنية اللبنانية عبر قناتها الخاصة على «يوتيوب»، وهي من ضمن ألبوم «الجميلات» بالتلفزيون بطبيعة الحال، لكنه حضر بقوة فيها وكأنه بطل الأغنية، وهو أمر يدلل على أهميته في حياة الناس، حيث يقاربه الفيديو كليب بصفته مغيباً صوت المواطنين ومعاناتهم. ليس هذا الحضور الأول للتلفزيون في الأعمال الفنية التي يعرضها على مشاهديه ولن يكون الأخير، فقد حضر كثيراً بطرق مختلفة مثل: البرامج النقدية والساخرة والأفلام، والمسلسلات... الخ، وهذه المرة في الفيديو كليب. وكل ذلك يؤكد علو شأن الشاشة في حياة المواطنين وأثرها عليهم، وعلى مواقف نقدية يتخذها فنانون ومبدعون عرب كثر. الكليب هنا وإن صور في لبنان، فإنه يجعل من أغنية «بلد» بصفتها أي بلد عربي، وقناة «أخبار البلد» الكثير من الشاشات العربية التي تحترف تزيين الشاشة بأخبار وموضوعات وقضايا لإخفاء ما هو خارجها. وسيكون من المربك حقاً أن تعرض فضائيات عربية كثيرة هذا الفيديو كليب ليؤشر إلى نوع من الفصام الذي وصلنا إليه، من دون أن يرف جفن لأصحاب الشاشة أو حتى للعاملين فيها، لكن ماذا عن الجمهور؟ بقي أن نقول إن الكليب يحمل ثيمة غير تقليدية، ويخفي بإحالات بصرية غاية في الرمزية والطرافة والسخرية المرة، فهو الموقع بإمضاء المخرج السينمائي الفلسطيني إيليا سليمان. وما مفارقة الرقص على سيارة إسعاف، إلا إحالة لواقعنا المليء بالتفجع والدراما.