يطلق النقاد الفنيون على المطرب المصري هاني شاكر لقب "مطرب النكد"؛ لأن معظم أغانيه حزينة وبكائية ونكدية. وهو يصف نفسه بأنه ملك الأغاني العربية الحزينة التي اشتهر بها. وتحكي كلمات أغانيه قصص الحب الفاشلة والأمل الضائع واللوعة والهجر والكذب والخيانة. وهو في هذا "يوسف وهبي" الغناء! وعلى صعيد المطربات لا تنافسه في هذا اللون الحزين سوى المطربة شبه المتقاعدة نجاة الصغيرة التي تعتبر "أمينة رزق" الغناء! ولا بد من الاعتراف بأن هناك جمهوراً واسعاً للأغاني العاطفية الحزينة والمأساوية. ويسعى بعض المغنين والمطربين إلى استغلال الظروف العامة القاسية فيوظفها في أغانيه لتحقيق شهرة سريعة مثلما يفعل اليوم كثير من المغنين العراقيين الشباب الذين اتجهوا إلى الغناء البكائي والنواح انسجاماً مع الأوضاع الإنسانية المتردية القائمة في العراق في ظل الاحتلال. يقول هاني شاكر: "إنه يميل إلى أغاني الدراما الرومانسية على الرغم من أنها لا تحقق النجاح السريع؛ ولكنها تحقق نجاحاً على المدى الطويل وتعيش مع الناس، وأرى أن اللون الدرامي والأغاني التراجيدية الحزينة والكلاسيكية التي فيها شجن أو موضوع درامي قليلة جداً اليوم، وفرسان هذا اللون قليلون على الساحة الفنية". لقد كان الموسيقار محمد عبد الوهاب امبراطور الأغاني الحزينة في بداياته، وكان فيلم "دموع الحب" الذي قام ببطولته مع نجاة على مأساة من بدايته إلى نهايته حين تموت البطلة ويبدأ عبد الوهاب بغناء ملحمة "أيها الراقدون تحت التراب". إلا أن الموسيقار فريد الأطرش تسلم راية النكد بعد سنوات من أغانيه الخفيفة فغنى للخائبين: "عدت يا يوم مولدي.. عدت يا أيها الشقي". وحين اشتد مرض البلهارسيا على العندليب عبد الحليم حافظ غنى "رميت الورد طفيت الشمع يا حبيبي.. والغنوة الحلوة ملاها الدمع يا حبيبي"! وجاء عقد من السنين كانت موضة الأفلام السينمائية العربية هي البكائيات. فظهر فريد شوقي في فيلم عنوانه "لا تبك يا حبيب العمر" مع أن الفيلم يدعو الأمة العربية من المحيط إلى الخليج إلى البكاء! ثم جاء فيلم عنوانه "العذاب فوق شفاه تبتسم"! وجاء فيلم ثالث عنوانه "وضاع العمر يا ولدي"! ولا أعرف في الواقع لماذا لم يستفد "مخرج الروائع" حسن الإمام من عبقرية الفنانة الراحلة نعيمة الصُغير في دور الحماة النكدية جداً ليقدم لجمهور الشاشة الفضية فيلماً من بطولتها إلى جانب الممثل النكدي الراحل زكي رستم؟ الصفة العامة للأفلام والأغاني الهندية أنها حزينة؛ إلا أن مؤلفيها ومخرجيها كانوا يملؤونها بالرقص الجميل والموسيقى الإيقاعية، مما سهل قبولها لدى المشاهدين الهنود المنكوبين بالفيضانات والمشاهدين العرب المنكوبين بالسياسيين! ويعتب المطرب هاني شاكر على الفضائيات العربية لأنها أدارت ظهرها للأغاني الحزينة وانشغلت بأغاني "الشخلعة" بعد أن تحول المطربون والمطربات إلى راقصين وراقصات. وهو يدعو إلى "وقفة إعلامية وحكومية" أمام هذا الأمر وفرض رقابة على القنوات الفضائية أو سحب رخصها؛ إلا أنه رفض تحميل جامعة الدول العربية وزر هذا التردي؛ لأن المسؤولين في الجامعة لا يشاهدون أغاني الفيديو كليب لانشغالهم ب "القضية" كما يبدو! ومن نعم الله على المشاهدين العرب أن هاني شاكر، ذي الصوت الجميل والوجه المريح، لم يمثل سوى ثلاثة أفلام فقط هي "عندما يغني الحب" أمام صفاء أبو السعود و"عايشين للحب" أمام نيللي و"هذا الرجل أحبه" أمام نورا. ومن رحمته سبحانه وتعالى أن هاني شاكر لم يمثل سوى مسرحية واحدة فاشلة مع نيللي تاب إلى الله بعدها عن الصعود إلى خشبة المسرح! الطريف أن إحدى أجمل أغاني هاني شاكر عنوانها "علّي الضحكاية علّي" ومع ذلك فلسان حاله يقول "نزل الدمعاية نزل"! وحين سألته إحدى مقدمات البرامج التلفزيونية عن "سر" الحزن في أغانيه، قال إن الحزن يسري في دمائنا وهو أمر جميل ومحبب في الطرب. إلا أن المقدمة ردت بأن المستمعين العرب لا يطربون لأغاني الهجر إلا إذا كانت المطربة هي كوكب الشرق أم كلثوم. وفي اليوم التالي ظهر هاني شاكر في التلفزيون وهو يغني صارخاً "غلطة وندمان عليها"! {إنا لله وإنا إليه راجعون}.