لم يتبلور الخطاب الديني في المملكة ليعالج الحلال والحرام في أشكاله المعاصرة، لا تزال السرقة حراماً بالطبع، لكنها أخذت أشكالاً حديثة في ظل تطور العصر. تجد شخصاً يملك أحدث الهواتف الجوالة، بقيمة تتجاوز الثلاثة آلاف ريال، وكومبيوتر محمولاً بأكثر من عشرة آلاف ريال، لا يجد أية مشاحة في تحميل البرامج المقرصنة بأرخص الأسعار. فهو لا يعتبر ذلك سرقة. ومن غير الممكن إقناعه بأن تلك سرقة للجهود الفكرية التي بذلها مصممو تلك البرامج، بينما الشخص نفسه لا يمكن أن يفكر بسرقة قلم أو مسطرة، لأنه تربى على أن ذلك «سرقة» محرمة... لم يلعب الخطاب الديني المعاصر دوره التوعوي في هذا الشأن، فنشأت مراكز تجارية متكاملة لبيع البرامج المقرصنة من دون وجود أية رقابة سلطوية أو ضميرية أخلاقية حقيقية. نحن لم نتربَ ثقافياً على احترام الفكر، لذلك لا نبالي بسرقته من دون حاجة مادية لذلك، ليس هناك اضطرار حقيقي لسرقة لعبة كومبيوتر، وليست هناك حاجة حقيقية لسرقة ألبوم موسيقي، مع أن الشركات العالمية المنتجة درست سبل محاربة القرصنة من كل النواحي، فخفضت أسعار البرامج أو الأغاني إلى حدود بعيدة لتصبح بأسعار رمزية هي في كثير من الأحيان لا تتجاوز 0.99 دولار، ومع ذلك فالمواطن السعودي يشتري الهاتف بثلاثة آلاف، لأن ذلك يعزز قيمته الاجتماعية بين أقرانه، لكنه غير مستعد لدفع ثلاثة ريالات قيمة برنامج على ذلك الجهاز، وهنا تكمن المفارقة. لم تكتفِ الدول المتقدمة بمحاربة القرصنة من خلال الرقابة ووضع الغرامات، لكنها روجت لوعي ثقافي يستنكر شراء كل ما هو مقرصن، وساعدها في ذلك الثقافة الاجتماعية التي تحترم الثقافة والفكر وإيتاء كل ذي حق حقه. عزيزي القارئ، إنك بشرائك لكل ما هو مقرصن تحرم مصمم البرنامج، أو الموسيقي، أو الشاعر حق تعبه، وجهد فكره وإبداعه الذي بذله ليجعل حياتك ممتعة، كما أنك تشتري متعة السيارة بالمال، ومتعة الطعام بالمال، فلماذا لا تشتري متعة الفكر والثقافة بالمال؟! آمل أن أكون بهذا استوقفتك للحظة قبل أن تُقدِم على سرقة هي أكثر حرمانية من سرقة المادة، ألا وهي سرقة الفكر، أغلى ما ميز الله به الإنسان، وبه استخلف البشر على الأرض. أحمد زهدي قرقناوي - الرياض [email protected]