عرض التلفزيون الرسمي الجزائري شريطاً مطولاً حول ذكرى المصالحة تضمن مشاهد «صادمة» للجزائر في فترة العشرية السوداء، وتقريراً عن «عودة السلم» تدريجياً منذ إقرار عفو عن المسلحين. وأولت السلطات ذكرى المصالحة أهمية بالغة بناءً على توصيات من الرئاسة تطلب تبيان الفارق بين الجزائر اليوم والجزائر في فترة التسعينات. واحتفلت الجزائر أمس، بالذكرى ال 12 للمصالحة الوطنية، وهو ميثاق سياسي وقانوني تم التصويت عليه باستفتاء في 29 أيلول (سبتمبر) 2005، تضمن تدابير عفو وإجراءات تخفيفية لمصلحة مسلحين، كما تضمن ممنوعات سياسية لمَن يصفهم ب «المتورطين في المأساة الوطنية» على أساس 3 تصنيفات قانونية. وبثّ التلفزيون الجزائري مشاهد تُعرض لأول مرة عن جرائم ارتكبها مسلحون في التسعينات، بينما سرد التقرير تتابع الأحداث من بعد إقرار المصالحة ودور الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في صناعة الميثاق. وأفرجت الجزائر عن 2200 سجين، بموجب ميثاق المصالحة في الفترة ما بين آذار (مارس) 2006 وآب (أغسطس) من العام ذاته، وهي الفترة التي خصصت لتنفيذ جوانب قانونية في الميثاق، ومنذ ذلك التاريخ تجدد الحكومة دعوة المسلحين إلى الاستفادة من ميثاق السلم. وشهد العامان الماضيان تسليم 80 إرهابياً أنفسهم للسلطات واستفادتهم من إجراءات تخفيفية. ورداً على تساؤلات حول ما إذا كان «التائبون» وفق وصف السلطات للمسلحين المستسلمين، يستفيدون من المصالحة فعلاً، قال النائب العام لدى مجلس قضاء جيجل بوجمعة لطفي في مؤتمر صحافي أول من أمس، إن إجراءات المصالحة الوطنية لا تزال سارية حتى اليوم، وجيجل الواقعة 300 كيلومتر شرق الجزائر، هي المحافظة التي شهدت أكبر عدد من المسلحين الذين سلموا أنفسهم حتى اليوم، كما كان الأمر حين بدأ تطبيق قانون الوئام عام 1999 حين سلّم 6000 مسلح أنفسهم في المحافظة حيث كانوا يشكلون نواة الجيش الإسلامي للإنقاذ الذي انخرط في خطة الهدنة. وقال النائب العام لجيجل أن ملفات عدة سوّيت بالنسبة إلى الذين عبروا عن رغبتهم في العودة إلى المجتمع، مؤكداً أنه لا يوجد أي إشكال بالنسبة إلى «التائبين» في العودة إلى حياتهم العادية. ويأتي توضيح النائب العام في سياق تساؤلات حول مصير الإرهابيين الذين سلموا أنفسهم للسلطات أخيراً، وما إذا كان بإمكانهم الاستفادة من تدابير المصالحة أم سيحاكمون وفق القانون العام. ويتساءل مراقبون عما إذا كانت الجزائر ستشهد إقرار مشروع قانون «العفو الشامل»، كآخر خطوة في مسار المصالحة. ودافع سياسيون في السابق عن تلك الفكرة أبرزهم أبو جرة سلطاني الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم الإسلامية، لكنها لم تلق حماساً على ما يبدو من قبل السلطة، بما في ذلك الرئيس نفسه بحجة عدم توافر شروط الذهاب نحو هذه الخطوة. وكان الرئيس برر عام 2005، ما تضمنه ميثاق السلم بكونه «أقصى ما أتاحته التوازنات الوطنية». ويُعتقد أنه كان يقصد المفاوضات التي جرت مع جناح في الاستخبارات كان له رأي متحفظ على بعض ما كان ينوي بوتفليقة إقراره. ولم يعد هناك أثر واضح لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» التي شكلت محور النشاط المسلح في الجزائر منذ إقرار المصالحة. كما اختفت غالبية الفصائل المسلحة، باستثناء عناصر نفذت عمليات متفرقة في العامين الأخيرين، وتزعم الانتماء إلى «داعش»، بينما شهدت السنوات ال 12 الأخيرة قتل نحو ألفي مسلح واسترجاع 15 ألف قطعة سلاح، وتعويض عائلات 11 ألف مسلح لقوا حتفهم قبل عام 2006، وأُحصيت 7125 عائلة لمفقود.