لعلّ مشهد عدد من لاعبي أرسنال ومشجّعيه، وهم يبكون بعد خسارة فريقهم أمام برمنغهام سيتي في نهائي كأس النوادي الإنكليزية المحترفة الأحد الماضي، سيبقى طويلاً في الذاكرة، لما أثاره من تعاطف معهم، على رغم أن فوز برمنغهام يُعتبر تاريخياً، إذ أنه اللقب الثاني فقط للنادي، بعد كأس أولى عام 1963. وتكتسي الخسارة بعداً مأسوياً لأرسنال، إذ كان النادي يمنّي النفس بإحراز ذاك اللقب المتواضع، تعويضاً عن خيبات السنوات الماضية، والتي لم يُحرز خلالها الفريق أي لقب منذ عام 2005. "إذا أحرزتَ كأس النوادي الإنكليزية المحترفة، لا يمكنك القول إنك أحرزتَ ألقاباً". هذا ما قاله مدرّب أرسنال الفرنسي أرسين فينغر الموسم الماضي. لكنه لم يجدْ حرجاً هذا الموسم في تغيير استراتيجيّته، إذ شارك في المسابقة بلاعبيه الأساسيين، بعدما كان يستغلّها لصقل موهبة الناشئين. كان فينغر يأمل بأن يشكّل لقب كأس النوادي المحترفة، انطلاقة جديدة للفريق والنادي، بعد فشل متكرّر أبعده عن منصات التتويج. لكن الاحتفال تحوّل إلى "يوم كارثي" كما كتب ريتشارد وليامس في صحيفة "ذي غارديان"، و"مأساة أخرى" بحسب جيمس لاوتن في صحيفة "ذي إندبندنت". اعتبر فينغر الخسارة "خيبة أمل كبرى، لكن أمامنا تحديات كبرى"، معرباً عن ثقته بقدرة لاعبيه على تخطي الأمر. برمنغهام يصارع للبقاء في الدرجة الممتازة، والفوز عليه كان واجباً. فأين الخطأ؟ إذا أشرنا إلى الخطأ الدفاعي الفادح الذي تسبّب بهدف الفوز لبرمنغهام، يمكننا التذكير بعناد فينغر في امتناعه عن تعزيز صفوف الفريق بحارس ذي مستوى عالمي، ومدافعين دوليين. لكن حجّة المدرب الفرنسي جاهزة دوماً، سنة بعد سنة، لتبرير فشل الفريق: اللاعبون ناشئون يفتقدون الخبرة، والنادي يعمل للمستقبل! يؤكد فينغر أنه لا يتعاقد مع نجوم، "التزاماً منه بموازنة النادي"، وكي لا "يفلّس"، معتبراً أن أرسنال يواجه فرقاً "لا تحترم اللعب النظيف مالياً". لكن من يُمعن النظر في تشكيلة الفريق، يكتشف أنها تضم نجوماً، لا يمكن اعتبارهم "أطفال حضانات"، على غرار الهولندي روبن فان بيرسي (27 سنة) والروسي أندري أرشافين (29 سنة) والعاجي إيمانويل إيبوي (27 سنة) والفرنسي غاييل كليشي (25 سنة)، ناهيك عن أن الكابتن الإسباني فرنشيسك فابريغاس (23 سنة) والفرنسييْن سمير نصري (23 سنة) وأبو ديابي (24 سنة) والكاميروني ألكسندر سونغ (23 سنة)، لاعبون يتمتعون بخبرة كافية على أعلى مستوى. لفينغر قدرة مذهلة على اكتشاف مواهب جديدة وصقلها، مثل فابريغاس وجاك ويلشير وكيران غيبز، أو حتى إنقاذ لاعبين من فشل مسيرتهم، مثل الفرنسييْن تييري هنري وباتريك فييرا، لكنه أصبح أسيراً لهذا ال"كليشيه"، بحيث يجترّ الوعود ذاتها مطلع كلّ موسم، ليحصد خيبة تلو الأخرى. وثمة "كليشيه" آخر يرفع فينغر لواءه، هو "اللعب الجميل"، على حساب إحراز الألقاب، بحيث فَقَدَ النادي القدرة على منافسة الفرق الأخرى. يحقّ لفينغر التباهي بالأداء الجميل للاعبيه، لكن نوادي كرة القدم ومنتخباتها تعيش على إحراز الألقاب، وليس على الإشادات بأسلوب لعبها. صحيح أن العالم لا يزال حتى الآن يتذكّر منتخب البرازيل الذي شارك في كأس العالم في إسبانيا عام 1982، والذي قدّم كرة جميلة جداً، لكن الجميع يُدرك أيضاً أن اللقب أحرزته إيطاليا... ومنتخب البرازيل الأسطوري الذي أحرز مونديال المكسيك عام 1970، لم يكن ليحظى بكلّ تلك الهالة، لو لم يفزْ باللقب، تماماً كما أن المنتخب الذهبي لهنغاريا بقيادة اللاعب الأسطوري فيرينك بوشكاش، لم ينلْ ما يستحقّ من مجد، لأنه خسر اللقب أمام ألمانياالغربية في نهائي مونديال سويسرا عام 1954... لا لقب يُمنح لأفضل نادٍ أو منتخب في اللعب الجميل! قد يكون هذا الكلام صادماً لبعضهم، خصوصاً للحالمين ومحبي الكرة الجميلة التي يرغب جميعنا في رؤيتها، لكن هؤلاء يتجاهلون أن جوهر اللعبة يكمن في التفوّق على الخصم والقدرة على منافسته، وليس مجرّد تقديم "سمفونية" كروية عقيمة... أي أن التحدي الحقيقي يكمن في تقديم كرة جذابة وفعّالة في الوقت ذاته. أرسين فينغر أصبح مرادفاً لأرسنال، إذ دخل تاريخ النادي من أوسع أبوابه، وقد يكون أفضل مدرّب في تاريخه، متقدماً على شخصية أسطورية مثل هربرت تشابمان في ثلاثينات القرن العشرين. لكن يبدو أحياناً أن بقاءه في منصبه منذ عام 1996 ومكانته في النادي، أفقدا أرسنال الطموح اللازم لإحراز الألقاب، إذ يحظى بدعم مطلق من الإدارة ونادراً ما ينتقده المشجعون. وهذا يجعله في منأى عن "مقصلة" الألقاب التي حصدت مدربين بارزين آخرين. منذ آخر لقب لأرسنال عام 2005 (كأس الاتحاد الإنكليزي)، أحرز مانشستر يونايتد 10 ألقاب، بينها الدوري الإنكليزي ثلاث مرات ودوري الأبطال الأوروبي، وتشلسي 8 ألقاب، بينها لقبان في الدوري الإنكليزي، وليفربول 3 ألقاب، بينها دوري الأبطال الأوروبي. حتى توتنهام هوتسبرز، منافس أرسنال في لندن، أحرز كأس النوادي الإنكليزية المحترفة عام 2008. بل أن نادياً متواضعاً مثل بورتسموث أحرز لقب كأس الاتحاد الإنكليزي عام 2008... والطريف أن "الاتحاد الدولي لتاريخ كرة القدم وإحصاءاتها" اختار فينغر مدرب العقد الأول في القرن الواحد والعشرين، متقدّماً على مدربيْ مانشستر يونايتد السير أليكس فرغيسون وريال مدريد جوزيه مورينيو، على رغم أن الأخيريْن حصدا ألقاباً أكثر منه في تلك الفترة. فبين عامي 2000 و2010، أحرز فينغر 7 ألقاب، في مقابل 16 لفرغيسون، و17 لمورينيو... يجب الإقرار بأن أرسنال يخوض أحد أفضل مواسمه منذ سنوات، وينافس على لقب الدوري وكأس الاتحاد الإنكليزي ودوري الأبطال الأوروبي، إلا أن إحرازه أياّ من تلك المسابقات ليس مضموناً. بعد المباراة ضد برمنغهام، جدّد الرئيس التنفيذي لأرسنال إيفان غازيديس ثقة النادي بفينغر، مذكراً بأن تشكيلة الفريق هي الأدنى سناً في الدوري الإنكليزي. ودعا إلى النظر من خلال "الصورة الأكبر"، مشيراً إلى "لاعبين ناشئين جيدين جداً يتطوّرون في استمرار، ونتطلع إلى السنوات الأربع والخمس المقبلة، وأعتقد أن في إمكاننا القيام بذلك بثقة كبرى". تُرى، هل يهيئ غازيديس مشجعي أرسنال لانتظار 5 سنوات أخرى قبل الظّفر بلقب؟