منذ أحداث السيول التي دهمت بعض المناطق السعودية برزت أعمال التطوع كظاهرة اجتماعية محمودة، اعتبرها البعض تحولاً حضارياً يعكس مدى الوعي والإدراك الذي وصلت إليه فئات كبيرة من الشبان، تشهد على أهميتها ردود أفعال المنكوبين، لأنها استطاعت أن تلامس حاجات الكثيرين ممن تعرضوا لخسائر مادية وبشرية وقت هطول الأمطار. وبعيداً من كوارث السيول وتداعيات بروز العمل التطوعي، خلقت تلك المؤسسات التطوعية أو الحملات الشبابية صوراً سلبية شوهت بعض ملامح أعمال التطوع، ورآها البعض على أنها نوع من التقليد وحب الظهور والاستعراض، وهذا من شأنه أن يبدد جهود أولئك المخلصين والحريصين على تنفيذ أعمال التطوع وخدمة فئات المجتمع بشكل مثالي. طالب المتطوع نادر عبدالغني أحد الذين شاركوا في أعمال التطوع لخدمة متضرري السيول في جدة، بضرورة ترك حملات التطوع تؤدي أدوارها الخيرية والإنسانية، مع مراقبة أداء المتطوعين بما يضمن تقديم الخدمات وتلبية حاجات المجتمع، مؤكداً أن ظهور النماذج المسيئة للعمل التطوعي سببه الرئيس هو غياب التنظيم، الأمر الذي أدى إلى دخول فئة من الشبان والفتيات تحرص على «تلميع» صورها أمام عدسات الإعلام وتغفل الدور الحقيقي المطلوب منها، والنتيجة أن استأثرت أجهزة «البلاك بيري» المتدلية من أعناق البعض باهتمام «مدعي التطوع» بحسب وصفه!. وانتقد أحد متضرري كارثة مدينة جدة الأخيرة نايف العقاد بشده اهتمام عدد من الشبان بقصة الشعر و«اللوك» الخارجي، خصوصاً عندما حضرت وسائل الإعلام للتغطية داخل أحد الفنادق الذي شهد لجوء المئات هرباً من السيول التي اجتاحت الشوارع حينها، مضيفاً «لاحظت انخراط الكثيرين في حملات التطوع لمجرد المشاركة، وانحصرت أدوارهم في التواجد فقط وكسب الشهرة، فتحول الأمر إلى «موضة» واصطدمت حاجة الكثيرين للمساعدة بحاجز الحرص على «الأزياء والإكسسوارات» وارتداء الألوان». ومن المفارقات الغريبة، بحسب ما تروي متطوعة ل«الحياة»، حضور إحدى الفتيات المتطوعات برفقة خادمتها إلى أحد مواقع توزيع المواد التموينية للمتضررين عقب سيول جدة الأخيرة، واصفة ذلك بأنه نوع من «التباهي». وتساءلت قائلة : «كيف يمكن لمن أحضرت من يعتني بها أن تقدم عملاً تطوعياً يساعد المجتمع»، مؤكدة أن عدداً من الفتيات اعتبرن الأمر تبديداً للوقت والجهد ونوعاً من الترفيه «والوجاهة» الاجتماعية. وأضافت: «من المؤلم أن نشاهد هذه النماذج غير الواعية وهي تقتحم عملاً إنسانياً يتطلب نوعاً من التفاني والإحساس بالمسؤولية، وهي تشوه في الوقت نفسه المبادئ التي وجد من أجلها العمل التطوعي». ويؤكد المتطوع أحمد الرميخاني أن الكثير من المتطوعين في الأيام الأولى من أحداث جدة لم يستطيعوا الاستمرار لأسباب مختلفة من بينها عدم الجدية وغياب المفهوم الحقيقي لهذا النوع من النشاط الاجتماعي والإنساني، داعياً إلى ضرورة توفير جرعة كافية من التوعية من قبل الجهات المختلفة المعنية بمفهوم العمل التطوعي وكيفية أدائه والفائدة التي يجنيها المجتمع من وراء تلك الجهود.