قررت الولاياتالمتحدة قبيل نهاية آب (أغسطس) الماضي اقتطاع مبالغ قيمتها 95.7 مليون دولار وتأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى وإعادة برمجة 65.7 مليون دولار و30 مليوناً من المساعدات التي كانت مخصصة لمصر إلى شركاء أمنيين حيويين آخرين. وأعلن مسؤولون أميركيون أن المبالغ المجمدة سيتم الاحتفاظ بها في حساب مصر حتى تبدي الأخيرة بعض التقدم في ما يخص «الأولويات الرئيسية» كحقوق الإنسان والديموقراطية وقانون الجمعيات الأهلية. وللسبب ذاته، وبالتزامن مع إعلان استئناف الجانبين مناورات «النجم الساطع»، قررت لجنة المساعدات الخارجية الفرعية التابعة للجنة المخصصات المالية في مجلس الشيوخ الأميركي تقليص المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر ضمن برنامج المساعدات للعام 2018 بمقدار 300 مليون دولار، إضافة إلى 37 مليوناً من المساعدات الاقتصادية. وبالتوازي، لاحت مشاريع أميركية لإعادة هيكلة المساعدات العسكرية ابتداء من العام المالي 2018، بحيث يتم توجيهها فقط الى مجال مكافحة الإرهاب. وتوخياً لذلك المقصد، عمدت واشنطن إلى إنهاء آلية «التدفق المالي»، التي طالما مكَّنت القاهرة من طلب أسلحة ومعدات عسكرية أميركية بملايين الدولارات لسنوات مقبلة في سياق المعونة العسكرية. الأمر الذي من شأنه أن يقلص أية تداعيات سلبية قد تلحق بشركات السلاح الأميركية المرتبطة بعقود توريد معدات عسكرية لمصر، حال قيام واشنطن بتعليق، أو خفض، أو تغيير شروط تقديم المعونة العسكرية لمصر مستقبلاً. ومعروف أن تلك الشركات تكبدت خسائر فادحة جراء تعليق إدارة أوباما المساعدات العسكرية لمصر في شكل مفاجئ عام 2013. كذلك، تبحث إدارة ترامب في آليات للتحكم في نوعيات وكميات السلاح الذي ستحصل عليه مصر، بموجب المساعدات، عبر تخصيص أربعة مجالات يستخدم فيها ذلك السلاح، وهي: مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، وأمن سيناء، والأمن البحري، ومن ثم يتم على أساسها تحديد نوعيات السلاح وكمياته. وفي السياق ذاته، تعكف إدارة ترامب على تغيير طبيعة المناورات العسكرية المشتركة بين واشنطنوالقاهرة بعد استئناف إجرائها بما يتلاءم والتوجه الأميركي الجديد الذي يركز على محاربة الإرهاب، الأمر الذي يفسر توقعات خبراء أميركيين بألا تكون مناورات «النجم الساطع» المرتقبة على المستوى نفسه الذي كانت تجري عليه قبل توقفها عام 2008 من حيث القوة والاتساع والكثافة، خصوصاً بعدما بات الهدف من إجرائها منحصراً في محاربة الإرهاب. ويمكن فهم ذلك النهج الأميركي في ضوء معطيات عدة، منها أن قرار تقليص المساعدات يأتي في سياق توجه أميركي لتخفيض حصة المساعدات الخارجية بعامة. ففي خطوة غير مسبوقة، منذ إغلاق وكالة المعلومات الأميركية عام 1999، التي تمول البرامج المعلوماتية والتثقيفية في الخارج، وتوجيه برامجها إلى داخل أميركا، أعلنت الإدارة الأميركية في آذار الماضي نيتها خفض مساعداتها الخارجية بمقدار الثلث تقريباً بحلول السنة المالية للعام 2018، وتحويل نصيب وافر منها لتنفيذ مشاريع إنمائية، إلى برامج ترتبط في المقام الأول بالحفاظ على الأمن القومي للدولة. وبينما يحق للرئيس الأميركي استثناء دولة أو أكثر من قرار تقليص المساعدات الخارجية، لاعتبارات الأمن القومي، لم يستخدم ترامب هذا الحق إلا لمصلحة إسرائيل. وفيما وعد البيت الأبيض بالإبقاء على مستوى «قوي وكافٍ» من الدعم لمصر، إلا أنه لم يعلن أي تعهدات بالأرقام في هذا الصدد. ثاني المعطيات، يتمثل في تحفظ دوائر أميركية على سجل القاهرة في ما يخص الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات. في غضون ذلك، رفضت واشنطن إقرار السلطات المصرية في أيار (مايو) الماضي قانوناً يفرض قيوداً على المنظمات غير الحكومية. ويرى مشرعون مصريون أن هذا القانون ضروري لحماية الأمن القومي المصري، لكون جماعات حقوق الإنسان «تتلقى أموالاً من الخارج لنشر الفوضى في البلاد». ورصدت واشنطن علاقات «تثير قلق الأميركيين» بين مصر وكوريا الشمالية وتنظمها نحو 20 اتفاقية تتنوع بين الاقتصاد والأمن والإعلام والتكنولوجيا والثقافة، ولا تخلو من تعاون في مجال تطوير الصواريخ الباليستية، وفق مزاعم أميركية. وهو الأمر الذي أشار إليه تقرير صدر أخيراً عن الأممالمتحدة، واتهم القاهرة بالحصول على صواريخ «سكود» كورية شمالية، «بطريقة غير قانونية». ويدور الكلام على تبنّي القاهرة استراتيجية جادة لتنويع مصادر التسليح وتقليص التحرر من ربقة الاعتماد الكلي على السلاح الأميركي عبر فتح قنوات للتعاون العسكري مع دول مثل روسيا وفرنسا والصين وألمانيا، إذ نجحت خلال العامين الماضيين في الحصول على مقاتلات فرنسية متطورة من طراز «رافال» وحاملة مروحيات من طراز «ميسترال»، وغواصات ألمانية من طراز 1400/209، كما تجري مفاوضات مع موسكو للحصول على منظومة «إس 400» الصاروخية المتطورة والمضادة للصواريخ والطائرات الحربية، علاوة على مروحيات عسكرية من طراز «تمساح» لحاملة الطائرات ميسترال. ما ذكر آنفاً قد لا يعني بالضرورة أن تداعيات سلبية عميقة قد تطاول العلاقات المصرية- الأميركية جراء ذلك التوجه الأميركي في ما يتصل بالمساعدات العسكرية. فمن جهتهما، تحرص القيادتان الحاليتان في البلدين، على تحصين تلك العلاقات، قدر المستطاع، ضد أي تدهور، خصوصاً في ظل توافقهما في شأن أولوية محاربة الإرهاب، واستقرار مصر والشرق الأوسط على أية اعتبارات أخرى بما فيها تلك المتعلقة بالديموقراطية وحقوق الإنسان. وفي هذا السياق، أكدت مصادر رسمية مصرية أن تجميد جزء من المعونات ليس نهائياً، إذ لا يزال قرار التقليص قيد التداول الداخلي بين مجلسي النواب والشيوخ في شأن قانون الاعتمادات الخارجية لموازنة العام 2018. ومن ثم، يقتضي القانون الأميركي أن تودع الأموال المجمدة من المعونات في حساب انتظاراً لأن تحرز مصر تقدماً في مجالات حقوق الإنسان والديموقراطية. هذا علاوة على أن واشنطن تستطيع إصدار استثناء بموجب اعتبارات الأمن القومي يسمح بصرف الأموال المجمدة، ما يعني إمكانية حصول مصر عليها في نهاية المطاف. وبالتزامن، لم يتردد الرئيس السيسي في استقبال الوفد الأميركي الذي زار مصر الشهر الماضي برئاسة كبير مستشاري الرئيس ترامب، جاريد كوشنر. ثم اتصل الرئيس ترامب بالرئيس السيسي وأكد حرصه على تجاوز أية عقبات يمكن أن تحول دون مواصلة تطوير العلاقات وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وبينما انتقد بعض أعضاء الكونغرس الإجراء الأميركي، وحذروا من أن تقليص المعونات الخارجية قد يقوض التحالفات الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدة وشركائها الرئيسين في المنطقة، أعربت دوائر أميركية أخرى عن رغبتها في استمرار المساعدات العسكرية الأميركية لمصر، ليس فقط لما تتيحه من مزايا عسكرية ولوجيستية لواشنطن، من قبيل استخدام المقاتلات الأميركية الأجواء المصرية، أو تسهيلات عبور السفن والبوارج الحربية الأميركية لقناة السويس، بما فيها تلك التي تحمل أسلحة الدمار الشامل، أو التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ولكن لدعم مصر في حربها ضد الإرهاب في سيناء القريبة من حدود إسرائيل، ومساعدتها على تأمين الحدود، ومنع تدفق الأسلحة إلى قطاع غزة، وتحقيق استقرار المنطقة بما يحمي المصالح الأميركية. وفي التاسع من الشهر الجاري، أعلنت السفارة الأميركية في القاهرة استئناف أهم التمارين العسكرية المشتركة بين الجيشين المصري والأميركي والمعروفة ب «مناورات النجم الساطع» في قاعدة محمد نجيب العسكرية غرب مصر، بعد توقف دام ثماني سنوات. * كاتب مصري