{ أوضح الكاتب الدكتور حمد الهزاع أن التوجس لم يكن بعيداً عن المشهد الثقافي العربي، مشيراً إلى أن قدر الأعمال الإبداعية أن يتزامن صدورها مع أحداث سياسية راهنة تثير حولها الشكوك، وقال الهزاع الذي كتب رواية بعنوان «الجسر المعلق» عن دار الفارابي ببيروت، في حوار مع «الحياة» أن الكاتب مهما تحرى الوقت المناسب لصدور كتابه فلن يتخلص من الاتهام بالخيانة أو بمخالفة السائد، مؤكداً أننا نعيش في زمن مختلف ومتغير ومنفتح. إلى نص الحوار: صدرت روايتك «الجسر المعلق» عن دار الفارابي في مشهد ثقافي متوجس.. نظراً إلى الأحداث السياسية الراهنة، فهل تعمدت هذا التوقيت؟ وكيف تراه؟ - على مدى تاريخنا العربي القديم والمعاصر، لم يكن التوجس بعيداً عن مشهدنا الثقافي أبداً، نحن نعيش حالة توجس دائمة للأسف الشديد، ومن ثم فإن غالبية أعمالنا الأدبية قدرها أن تتزامن مع «أحداث سياسية راهنة» تثور حولها العديد من الشكوك وتحيط بها الكثير من التأويلات، ومهما تحرى الكاتب الأدبي المبدع الوقت المناسب للنشر فلن يتخلص من أصابع الاتهام التي تشير إليه مرة بالخيانة ومرة بمخالفة السائد وأخرى بالانحراف الفكري والأخلاقي، ولو انتظر الكاتب اللحظة التاريخية الهادئة النقية البريئة فسيقضي العمر كله من دون أن ينشر عملاً أدبياً واحداً، أما ما يتعلق بروايتي فلم يدر في خلدي أن أنشرها أصلاً، فضلاً عن أن تكون في هذا التوقيت، كنت كتبتها لأنني في حاجة لأن أسرد أحداثاً وأرسم شخصيات وأجري حوارات تعيش في داخلي، لا أعلم من أين جاءت، لكني متيقن من أنها تشبه - إلى حد بعيد - عالمي الذي أعيش فيه وأغذي أفكاري منه، فزرعت المتخيل في الواقعي، ووصلته بتاريخ وزمن معين. عندما أردت نشر روايتك، هل نجحت في الحصول على فسح لها؟ ولماذا في اعتقادك تحاصر الرواية بالرقابة الشديدة؟ - الذين يحددون مصير كتاباتنا موظفون يأكلهم الحذر من التغيير، ولا أعتقد أننا تخلصنا من هذا النوع من الرقابة بعد، مع أننا في زمن مختلف ومتغير ومنفتح، ويجب على الجهة المسؤولة أن تعيد النظر في الآلية التي تُفسح بها المؤلفات، إنها خلاصة تجارب إنسانية عميقة ونتاج بشري معرفي، حري بنا أن نشجع على تداوله ونيسر نشره، يجب أن نكون في دائرة التاريخ لا خارجها، ثم ماذا يعني أن أمنع فسح تلك الكتب في الداخل وأسمح ببيعها أثناء معرض الكتاب؟! إنه تناقض ما لنا إلا الحديث عنه! كان القارئ ينتظر أن يعثر بطل القصة على سر اختفاء أبيه، الحدث الأهم في الرواية، لكنه فوجئ في نهايتها بقصيدة شعرية لذلك البطل مع نهاية مفتوحة، كيف تفسر ورود مقاطع شعرية في أجزاء متفرقة في روايتك، وكيف تفسر أيضاً لجوء بعض الروائيين للنهايات المفتوحة؟ - الرواية نوع أدبي مرن، يمكن أن تضم في داخلها العديد من الأنواع الأدبية الأخرى، فقد نجد القصة القصيرة، والنصوص الدينية، والحكم والأمثال، وكذلك الشعر، بل ربما وجدناها تحتوى على صور وخرائط ورسوم، وإن كنت شخصياً أرى ذلك ضرباً من المبالغة، لكنه من جهة أخرى يثبت قدرة الرواية على ضم تلك الأنواع واحتوائها، وتوظيفها في بناء الأحداث، وورود الأبيات الشعرية في روايتي لم يكن خارجاً عن طبيعتها في ظني، وربما لأن الشعر ينازعني وقتي من حين لآخر كان لا بد من أن ينعكس ذلك على كتابتي السردية. وبالمناسبة فإن أكثر ما يجذبني من الروايات، تلك التي كتبت بلغة غنائية شاعرية كما في روايات أحلام مستغانمي أو حتى في بعض روايات عبده خال أو محمد علوان، وأما النهاية المفتوحة فهي تقنية من تقنيات الكتابة الروائية تترك للقارئ حرية إنهاء الحدث كما يريد وكأن الروائي يريد من قارئه أن يشاركه في صناعة خاتمة روايته، وهو نوع من التشويق يلجأ له كثير من الكتاب الروائيين يثيرون به قراءهم ويدفعون فضولهم إلى التساؤل حول مصير الشخصيات والأحداث. لكل كاتب طقوسه الخاصة وأوقاته المحببة عند الكتابة، ما هي طقوس وأوقات حمد عندما يكتب؟ - بصراحة لا يوجد لدي وقت محدد أكتب فيه، لكن يمكنني أن أعترف بأن رغبتي في الكتابة تصبح ملحة جداً حينما أقرأ لمبدعين آخرين، وحين يقرع رأسي السؤال الكبير عن الكيفية التي من خلالها استطاعوا أن يعبروا عن تلك الفكرة أو أن يصوغوا ذلك الحدث، فالتساؤل هو الذي يخلق طقس الكتابة، لا يمكن لأحد أن يلج مضمار الكتابة الأدبية ما لم يكن لديه حاسة التساؤل - إن صح التعبير -. صدر لك في الآونة الأخيرة مقال لافت يتحدث عن ظاهرة «الديستوبيا»، لماذا كتبت هذا المقال؟ - «الديستوبيا» هي أدب الواقع المرير، وهي الكتابة الساخرة عن مجتمع مستقبلي متخيل مخيف لا يصلح للعيش الكريم، وقد تناولت هذه الظاهرة بسؤال عن مدى إمكانية تمثيلها درامياً. وخلصت في مقالتي بعد تأمل طويل إلى أن هذا النوع من الكتابة مهما أعيدت صناعته وصياغته ليتوافق مع «التمثيل الدرامي» و«السينما» فلن يصل المتلقي كما أراده كاتبه، لأن ثمة تساؤلات لا تصل له ما لم تكن عن طريق اللغة، ثمة وظائف لإيصال الأفكار لا يقدر عليها إلا اللغة التساؤلية الاستشرافية، هذه هي الفكرة ببساطة، وأما سبب كتابتي للمقال فلأني أؤمن بأن كتابة الرواية في الأصل هي نتيجة لحالة التشرذم والإحباط واللهاث التي تسبب بها المجتمع التعددي والمدينة الحديثة على إنسان هذا العصر، ولأن هناك اتجاه عام في الكتابة الروائية يلحظه أدنى متابع وهو أن غالبية الأعمال السردية اليوم تكتب بنظرة تشاؤمية سوداوية، وهو أمر طبعي ناتج عن الواقع الذي نعيشه في زمننا هذا. في فعل الكتابة المعقد، ما الذي يسهم في إنجازه أكثر؛ الموهبة أم العمل الدؤوب؟ - كأنك هنا تعود بنا إلى قضية نقدية قديمة تحدث عنها النقاد وأسهبوا كثيراً في طرحها ومعالجتها، وهي ما يسمى «الطبع والصناعة»، ولعلي هنا أستعير للإجابة عن سؤالك هذا مقولة القاضي الجرجاني عن الشعر، وستختصر ما أريد قوله: «إن الشعر علم من علوم العرب يشترك فيه الطبع، والرواية، والذكاء، ثم تكون الدربة مادة له، وقوة لكل واحد من أسبابه»، وأنا أقول إن الرواية كذلك، فالموهبة فيها ضرورة ولكنها غير كافية، يجب أن يرافقها عمل دؤوب واطلاع على نتاج الآخرين من الكتاب العالميين والعرب أيضاً، ومحاولة فهم التقنيات الكتابية واستجلاء العناصر الفنية التي وظفوها في نتاجهم الروائي، ومن ثم مجاراتها والإبداع فيها.