أصبحت صور الأطفال وهم يشاركون في بعض واجبات الحج أمراً رائجاً لا تكتمل ذاكرة الحج من دونه، وكثيراً ما يجود كل موسم حج بلقطات جميلة وبديعة تصوّر الأطفال بالإحرام الأبيض وجوانب من مشاركتهم في بعض التكاليف العبادية التي يقوم بها الحاج عادة، وهي جزء من بانوراما التصور الأثير عن الحج والصورة الذهنية الطاغية عن هذا الموسم الإيماني الأثير. من التقليدي الآن وفي كل موسم حج أن تجد الأطفال يشاركون ذويهم أداء النسك والتنقل بين المشاعر المقدسة، يرافقونهم في كل تفاصيل الحج من الطواف إلى الوقوف بعرفات وحتى رمي الجمرات ثم مغادرة المشاعر، وربما ارتدى بعضهم الإحرام تماماً كما يفعل الكبار على رغم أن الفريضة لا توجب عليه ولا يلزم بها قبل أن يبلغ سن التكليف، ولكنها أصبحت عادة وتقليداً في مواسم الحج. وعلى رغم الاكتظاظ البشري وما ينتج عنه من الزحام وتناقل الأمراض في بعض الحالات، ولكن بعضهم يصطحب أطفاله ويشركهم في كل تفاصيل الحج، وربما ساعد في ذلك ارتفاع مستوى الأمان ودرجة التنظيم العالي التي توليه الجهات السعودية المختصة بما يجعل مرافقة الأطفال لذويهم أمراً سهلاً ولا يكلفهم مشقة أو يستدعي الخوف عليهم. تضفي براءة الأطفال بجمالها وعفويتها رونقاً خاصاً وهم يشاركون أسرهم مناسك الحج، فعلى رغم المشقة والمعاناة الكبيرة التي تواجهها منها الأسر أثناء التنقل بين المشاعر المقدسة، إلا أن أسرهم فضلوا اصطحابهم كي يخوضوا هذه التجربة الروحانية المباركة لإكسابهم بعض تعاليم الحج وغرس قيم العبادة والخشوع التذلل لله لمغفرة الذنوب. بينما يعيش الحجاج وسط الأجواء الإيمانية والروحانية تجربة مختلفة، يخوض الأطفال رحلة من الانطباعات الإيمانية وهم يشاهدون توجه القلوب والأبدان إلى الله، شيء من التماع الصور في الذهن والوجدان ستترك تأثيراً عميقاً يوم يكبر الواحد منهم وصورة والديه في مشهد العبادة هذا لا تغادر مخيلته، هذا ما يعتقده غالب الأشخاص، إذ يهتمون بغرس بعض المعاني والصور في مخيلة أبنائهم ويختارون اصطحابهم. البعض الآخر يضطر لذلك، كأن يفتقد أبناؤه للعائل من ورائهم، أو يمتنع عن مفارقتهم وهو يقطع مسافات طويلة لأداء مناسك الحج، مما يدفعه لأخذهم واصطحابهم متجشماً في سبيل ذلك مشاق كبيرة ومتاعب بالغة. أمام ذلك عملت الحكومة السعودية على المساعدة في التخفيف من الأعباء الملقاة على بعض العائلات ممن تضطر لصحبة أطفالها، عبر ما أعلنته وزارة التعليم عن عزمها إطلاق روضات موسمية في مكةالمكرمة والمدينة المنورة لخدمة الحجاج والمعتمرين الذين يصطحبون أطفالهم للأماكن المقدسة، وتمثل الروضات مؤسسات تربوية آمنة ترعى أطفال الحجاج والمعتمرين، وتقيهم مخاطر الازدحام، والضياع والعدوى وتسهم في توفير جهود رجال الأمن وتيسير أعمال الحج والعمرة. محمد سيد يحج الآن للمرة الثالثة برفقة زوجته وأطفاله فاطمة وإلياس، كانت حجته الأولى برفقة والديه عندما كان طفلاً لم يتجاوز العشر سنوات، ما زالت تلك الحجة قبل 20 عاماً عالقة في ذهنه حتى الآن، يقول: «على رغم اختلاف الكثير من ملامح تلك السنوات، ولكن مشهد البياض الذي كان يرتديه ويشابه أباه في ذلك ما زال محفوراً في ذاكرته». يصطحب الآن سيد طفليه وهما لم يبلغا بعد سن التكليف، وهو ما قام به والده بعد سنوات من حجته الأولى، ثم تمكن من أداء حجته الثانية وهو شاب بالغ مكلف بالفريضة، والآن ترافقه زوجته وأطفاله بينما هو يؤدي الحجة الثالثة بنية والده. يتحدث عن اصطحاب الأطفال، إذ كان بإمكانه أن يعهد بهما إلى أمه أو واحدة من أخواته، لكن فضل اصطحابهما لأن هذا يترك أثراً طيباً في نفسيهما، كما أنه يقلد والده الذي اصطحبه يوماً ما وهو يقتفي أثره الآن. يعتقد جاره في المخيم محمد إبراهيم أن اصطحاب الأطفال للحج مهم على رغم ما يكلفه من مشقة، لأنك يوم تقف على صعيد عرفات أو تطوف بالكعبة، تتذكر نعم الله عليك فتسهب في الشكر ورد الفضل إلى الله بينما يتحلق أولادك حولك، وأنت تسأل الله بإلحاح أن يهبهم الصلاح والتوفيق والتقى. شعور رائع ذلك الذي ينتابك وأنت تتصفح وجوه أطفالك، وهي تتأمل حال المخبتين والمستغفرين في حالة خلوة مع الله لا يقطعها شيء من أمر الدنيا، إن الحج مدرسة إيمانية مفتوحة، من المهم أن يلتحق بها الأطفال كمستمعين على الأقل كما يقول إبراهيم.