انتشر مقطع فيديو ل«وادي الصليل» يصور الطبيعة الخلّابة لقرى جنوب السعودية، دفع بالناس للبحث عن موقع تلك الأشجار الكثيفة شديدة الاخضرار التي تتدلى على الطريق وتضمّ المارة، وفي اليوم التالي، تدفّق الناس وغرقت القرية بزحام شديد واستيقظ أهلها على ضيوفهم الجدد، لم يكن ذلك الصباح عادياً بالنسبة لمن ألِف الهدوء ووقار القرى الصغيرة، لقد تبدد كل هذا وأصبحت القرية تغصّ بالناس باحثين عن كنزها المفقود. الطبيعة هي كلمة السر، البساط الأخضر الذي يكسو جبال القرية وينحدر مع حوافها يجتذب الناس والقاصدين. وادي الصليل بمحافظة رجال ألمع، شرق مدينة أبها في منطقة عسيرجنوب السعودية، كان الموقع الأكثر تداولاً، بعد ساعات قليلة من ذيوع المقطع المصور وانتشاره. أسهمت الأمطار الغزيرة التي تشهدها منطقة عسير، بشكل عام، ومحافظة رجال ألمع بشكل خاص، خلال الأسابيع الأخيرة، في رفد الغطاء النباتي والغابات الطبيعية، التي تشتهر بها جبال وأودية المحافظة التي تقع على بعد 45 كليومتراً عن مدينة أبها العاصمة الإدارية لعسير، وترتبطان بعقبة «الصماء». جموع الناس والسيارات تلفت الانتباه، ظروف القرية ليست مهيأة لاستقبال هذا الكم من الزوار دفعة واحدة، وهذا لم يحدث من قبل، شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت تخترق كل شيء، كان يقولها شاب يداعب عصاه وهو ينظر بدهشة إلى طابور طويل من السيارات وهي تحاول دخول النفق المؤدي إلى القرية. عند شلال الماء الذي ينزل من القمم إلى أسفل الطريق يقف الناس هناك لالتقاط الصور، إنها صورة تقليدية بالنسبة لأهل القرية وقاطنيها، إنه جزء من يومياتهم وترتيب صباحهم، صوت الماء وهو ينزل أو يجري بين الشعاب أشبه ما يكون بنشيد صباحي لهذه الجبال الشامخة التي تلف القرية وتحيط بأهلها. السيارات العابرة لعقبة «الصماء» من مركز «السودة» تتكدّس باتجاه رجال ألمع، وكذلك الحال بالنسبة إلى الطرق الأخرى التي تربط رجال ألمع بمحافظة محايل عسير (شمالا) ومحافظة «الدرب» جنوباً، وبمجرد وصول السياح القاصدين لرجال ألمع أسفل عقبة «الصماء» يستقبلهم «وادي العوص» الذي يضم على جنباته مزارع الذرة والدخن التي تشتهر بها المحافظة، إذ يستمتعون بالمناظر الخلابة من خلال مظلات ومواقع خصصتها بلدية المحافظة في أعلى الوادي، ثم يتجه معظمهم إلى جنوب المحافظة، عابرين أحد أطول أنفاق المملكة، وهو نفق «جبل رَزْ» الذي يقدر طوله بأكثر من 800 متر. وأول ما يستقبلهم، بعد عبور النفق، قرية «رجال ألمع التراثية»، التي تعتبر من أشهر القرى التراثية على مستوى العالم العربي، إذ فازت قبل أشهر عدة بجائزة المدن العربية - فرع «التراث المعماري»، ويجمع كثير من المصادر التاريخية على أن تاريخ القرية يعود إلى حوالى 500 عام، إذ كانت من أبرز محطات القوافل في جنوب الجزيرة العربية. كانت قرية هادئة، صباحاتها تمضي بسلام لا يبدده زحام ولا كثير كلام، صوت إطارات السيارات يتلجلج وحيداً على الطريق الوعر، ملامح المكان تشيخ وتعود إلى شبابها تحت عين السماء من دون أن يلاحظه أحد، أو يرمقه مخلوق. كان أهلها عند الصيف يسافرون إلى مدينة أبها، على افتراض أنها المكان الذي تكون سياحتهم فيه، فيما يتركون وراءهم جمال بلدتهم، وماء واديهم، وخضرة جبالهم بلا تأمل، إذ يبدو وكأن الإلف يذيب الشعور بتميز الأشياء. كان جمال المكان حكراً لاستمتاع أهله به، قبل أن يصبح حقاً مشاعاً للجميع، بعد أن فجّر «مقطع فيديو قصير» المفاجأة التي أذهلت سكان القرية، وجعلت شجرها وحجرها قبل بشرها محل اهتمام الوفود التي لا تنقطع إليهم، تحولت القرية والوادي بعد ذلك من مجرد قطعة مهملة من انتباه الناس إلى مقصد يؤمّه عشرات ومئات المصطافين. هطول الأمطار الغزيرة على رجال ألمع واكتساء طبيعتها البكر بالغطاء الأخضر يسهم كل عام في مضاعفة زوار القرية ومتحفها، الذي يعتبر من أوائل المتاحف الأهلية في المملكة. عدد الزائرين للمكان يزداد في شكل واضح منذ بداية شهر آب (أغسطس)، يتسابقون إلى اتخاذ أماكن جيدة على حدود الوادي، خرير الماء يسحبهم باتجاهه، ويلقي عليهم تحيته المغرية والجاذبة، بينما تنطلق أقدامهم إليه من دون أن تعبأ بوعورة الأرض وصلابتها.