طلب النائب العام في مصر المستشار عبدالمجيد محمود من وزير الخارجية أحمد أبو الغيط مخاطبة الدول الأجنبية لتجميد الحسابات البنكية والأرصدة الخاصة بالرئيس المتنحي حسني مبارك وعائلته، في قرار هو الأهم منذ تنحي مبارك من شأنه أن يهدئ من غضب الشارع، عشية تظاهرة مليونية يرتقب تنظيمها اليوم. وفي وقت أعلن مجلس الوزراء أن تشكيل الحكومة الجديدة التي يعكف شفيق على إتمامه «سيُعلن قريباً»، لم تفلح تسريبات عن ضم الحكومة أسماء وشخصيات معارضة وأخرى مستقلة محسوبة على معارضي النظام السابق في تخفيف الانتقادات الرافضة لها. وتمسكت قوى المعارضة، خصوصاً «الإخوان المسلمين» وحزب «التجمع» و «الجمعية الوطنية للتغيير» و «حزب الجبهة الديموقراطية» وحركة «شباب 25 يناير»، بإقالة حكومة شفيق كاملة وتشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط لا تضم أياً من رموز النظام السابق. وبدا أن خروج «حزب الوسط» إلى النور بعد 16 عاماً من المنع، أغرى «الإخوان» للمضي قدماً في تأسيس حزبها، إذ قررت الجماعة البدء بإنشاء حزب تحت اسم «الحرية والعدالة» على أن تعلن هيئته التأسيسية خلال أيام. وشهدت القاهرة أمس نشاطاً ديبلوماسياً مكثفاً، إذ زارها رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون ليكون أول زعيم أجنبي يصل مصر بعد الثورة ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليام بيرنز والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون للقاء المسؤولين المصريين. ويصل اليوم وزير خارجية ايطاليا فرانكو فراتيني. وقال كاميرون بعد لقائه رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي ونظيره المصري أمس، إن على مصر أن تبذل المزيد كي تبين أن مستقبلها ديموقراطي بعد سقوط مبارك. وقال في تصريحات لشبكة «سكاي نيوز»: «أعتقد أن عليهم أن يقوموا بالمزيد كي يظهروا أن بمقدور الشعب أن يثق في أن مصر ستحظى بمستقبل يتسم بالديموقراطية والانفتاح... سيكون هذا لخير مصر وكذلك خير كل الشعوب في هذه المنطقة». وأكد حرص بلاده على المتابعة الدقيقة للأحداث الجارية في مصر وتقديم الدعم لاستعادة الاستقرار، وأشاد بدور القوات المسلحة خلال تعاملها مع الأزمة. والتقى بيرنز الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وأبو الغيط، على أن يلتقي اليوم طنطاوي وشفيق. ولم تستبعد مصادر في السفارة الأميركية في القاهرة عقد بيرنز لقاء مجمعاً مع عدد من قيادات المعارضة، ليست بينهم جماعة «الإخوان». وطالب بيرنز ببناء الثقة في مرحلة الانتقال الى الديموقراطية من خلال رفع حالة الطوارئ والإفراج عن مزيد من المعتقلين. وقال إن مصر في لحظة «مبشرة في شكل غير عادي... لحظة بدأت فيها لتوها قصة الانتقال إلى الديموقراطية... وعلى الطريق سنواصل التشجيع على اتخاذ خطوات محددة لبناء الثقة للحفاظ على القوة الدافعة للانتقال، من خلال الإعداد بحرص للانتخابات والإفراج عن مزيد من المعتقلين وإلغاء العمل بقانون الطوارئ». وعلمت «الحياة» أن لقاء تم بين مجموعة من الديبلوماسيين الغربيين في القاهرة، بينهم أميركيون، و7 من شباب «ائتلاف 25 يناير»، بينهم ممثلان لشباب «الإخوان»، هما إسلام لطفي ومحمد القصاص، وممثلون عن «حركة 6 أبريل» و «الجمعية الوطنية للتغيير» التي أطلقها المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي ومجوعات شبابية أخرى. وقالت مصادر إن الاجتماع تطرق إلى الوضع الحالي في مصر. وأبلغ الشباب الديبلوماسيين الغربيين بمخاوفهم من «سرقة الثورة». واعتبروا أن تشكيل الحكومة الجديدة «ما هو إلا محاولة لتهدئة الشارع من دون أي تغيير جوهري». وأكدوا أنهم متمسكون بمطالبهم «وأولها التخلص من بقايا النظام السابق ومحاسبة الفاسدين»، وأنهم ما زالوا قادرين على حشد الشارع لتلبية هذه المطالب. وانتقدوا الغرب لدعمه نظام مبارك. وأكدوا في لهجة حادة أن «مصر ليست في حاجة إلى مساعدات مالية، لكن فقط تريد استعادة أموالها المنهوبة المودعة في بنوك غربية». وأرسل النائب العام أمس إلى وزير الخارجية مذكرة يطلب فيها مخاطبة الدول الأجنبية لتجميد الحسابات البنكية والأرصدة الخاصة بالرئيس المخلوع حسني مبارك وزوجته سوزان مبارك ونجله الأكبر علاء وزوجته هايدي راسخ، ونجله الأصغر جمال وزوجته خديجة الجمال. وأوضح مسؤول قضائي أن الطلب «يأتي بناء على تصديق مصر على اتفاق الأممالمتحدة لمكافحة الفساد الذي تنص أحكامه على حق طلب المساعدة القانونية من الدول الأطراف في الاتفاق باتخاذ الإجراءات التحفظية واسترداد الموجودات والأموال المتحصلة من جرائم الفساد إلى بلدانها الأصلية». وأشار المصدر إلى أن «النائب العام كان تلقى عدداً من البلاغات عن تضخم ثروة الرئيس السابق وأفراد أسرته، وأن هذه الثروة مودعة خارج مصر، وقامت النيابة بسؤال مقدميها في ما تضمنته، وقدم البعض منهم في هذا المجال أوراقاً تستلزم التحقيقات للتأكد من صحتها في شأن تضخم هذه الثروة». وأوضح أنه «تم إخطار إدارة الكسب غير المشروع، بتلك البلاغات والتحقيقات لاتخاذ اللازم في ضوء أحكام القانون، باعتباره الجهة المختصة بتحقيق الشكاوى المتعلقة بالكسب غير المشروع، والخارجية المصرية أبلغت بدورها النيابة العامة بقيام السلطات السويسرية بتجميد أرصدة مبارك وأفراد أسرته وبعض المسؤولين السابقين لحين اتخاذ باقي إجراءات طلبات المساعدة القضائية لاستعادة تلك الأموال إلى مصر». وفي ما يخص تشكيل الحكومة الجديدة، قال الفقيه الدستوري الدكتور يحيى الجمل الذي أعلن قبوله منصب نائب رئيس الوزراء، أن تشكيل الحكومة الجديد «سيأخذ شكلاً ائتلافياً وسيجمع شخصيات من تيارات سياسية عدة، كي يثبت الاتجاه إلى الديموقراطية والعدالة الاجتماعية التي يطلبها الشعب». وأعلن تولي الأمين العام لحزب «الوفد» منير فخرى عبدالنور وزارة السياحة ورئيس اللجنة الاقتصادية في حزب «التجمع» الدكتور جودة عبدالخالق وزارة التضامن الاجتماعي ومحمد الصاوي وزارة الثقافة، وإطلاق وزارة جديدة للمصريين في الخارج تتولاها النائب السابقة جورجيت قلليني، واختيار وزير التربية والتعليم السابق الدكتور أحمد جمال الدين موسى على رأس وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، ووزير التعليم العالي السابق الدكتور عمرو عزت سلامة لوزارة البحث العلمي. وأوضح أن «الرأي استقر على إلغاء وزارة الإعلام». لكن الناطق باسم مجلس الوزراء الدكتور مجدى راضي قال إن ما نشر عن التعديل الوزاري «يأتي في إطار التكهنات»، موضحاً أن «التعديل سيعلن رسمياً قريباً». وفور تداول تلك التسريبات، عاودت قوى المعارضة الهجوم على شفيق وحكومته، مطالبة بتنحيتها. وانتقد البرادعي تشكيل الحكومة الجديدة، مشيراً إلى أنه «على رغم التغييرات في الوجوه إلا أنها ما زالت هي حكومة النظام السابق الفاقدة للشرعية والمصداقية»، محذراً في تعليق على صفحته على موقع «فايسبوك» من عواقب الالتفاف على مطالب الثورة، ودعا السلطة إلى الاستماع للشعب. من جانبه، قال نائب المرشد العام ل «الإخوان» الدكتور رشاد البيومي ل «الحياة» إن جماعته «ترفض أي شخص من بقايا النظام السابق»، مشيراً إلى أن الحكومة التي سيعلنها قريباً «ما زالت تضم بعض رموز الفساد والأيادي الملطخة بالدماء، فهم واجهة سيئة يجب أن تزول فوراً». ورأى أن «شفيق من بقايا العهد السابق، لكن إذا أبدى حسن نيات سنرى... لا نقبله كمبدأ لأنه من بقايا النظام البائد، لكنه واقع». وقال الناطق باسم «الإخوان» رئيس مكتبها السياسي الدكتور عصام العريان ل «الحياة» إن الجماعة «ليس لها شأن بهذه الحكومة، وسبق أن أعلنا رأينا بأنه يجب القضاء على ما بقي من بقايا النظام السابق، والحكومة آخر ما بقي من هذا النظام الذي يحاول أن يجهض آمال المصريين»، مطالباً ب «حكومة تكنوقراط لمحاسبة الفاسدين وإدارة المرحلة الانتقالية». واعتبر أن «عمليات ترقيع التشكيل الحكومي لن تنطلي على أحد وستزيد السخط الشعبي... وكل من يربط نفسه بالنظام القديم سيزيد من انعدام الثقة فيه». وأكد «التجمع» معارضته للحكومة التي انضم إليها القيادي في الحزب الدكتور جودة عبدالخالق، سواء في طريقة تشكيلها أو برنامجها أو التزاماتها. وقال الحزب في بيان إن تشكيل هذه الحكومة «هو التفاف على مطلب ثورة 25 يناير بضرورة تشكيل حكومة ائتلاف وطني لقيادة المرحلة الانتقالية». وأضاف أن قبول الدكتور عبدالخالق منصباً في الحكومة الحالية تم من دون التشاور مع الحزب أو قياداته، ومن ثم فإن قبوله لهذا المنصب يخصه شخصياً ولا يلزم الحزب بأي مواقف أو قرارات أو تصريحات أو حوارات يجريها أو يتخذها. ومعلوم أن عبدالخالق من المناوئين لرئيس الحزب الدكتور رفعت السعيد. وفي خطوة تؤكد تخلص «الإخوان» من وصمة «الحظر» التي فرضت عليها منذ عام 1954، كشف المرشد العام الدكتور محمد بديع أمس الستار عن حزب الجماعة المرتقب تحت اسم «الحرية والعدالة». وأعلن أن مكتب الإرشاد (أعلى سلطة في الجماعة) اتخذ أمس قراراً بالبدء في الإعداد لإنشاء حزب سياسي، وسيعلن عن هيئة المؤسسين خلال أيام، قبل بدء الإجراءات القانونية. وأكد أن «هذه الخطوة تأتي اتساقاً مع توجهات وسياسات الجماعة المتخذة من قبل مجلس الشورى العام منذ فترة طويلة والتي تقضي بأن تُنشئ الجماعة حزباً سياسياً». ورأى أن «إنشاء هذا الحزب يأتي تلبية لرغبات وآمال وطموحات الشعب المصري الكريم في مستقبل أفضل وغدٍ مشرق»، موضحاً أنه «تم تكليف المؤسسات المختصة داخل الجماعة بإعداد الصيغة النهائية لبرنامج الحزب وما يلزم لتأسيسه من لوائح وسياسات، وسيتم ذلك بالتشاور مع مجلس شورى الجماعة ثم يعلن عنه في حينه»، لافتاً الى أن «عضوية هذا الحزب ستكون مفتوحة لكل المصريين الذين يقبلون ببرنامج الحزب وتوجهاته». في غضون ذلك، أعلنت لجنة التعديلات الدستورية التي شكلها المجلس العسكري أنها اتفقت بصورة نهائية على تخفيض مدة رئاسة البلاد لتكون أقل مما هو محدد حالياً بالدستور المعطل (6 سنوات). وأشارت إلى أن عملها «يهدف إلى المساعدة في سرعة النقل السلمي للسلطة المدنية للبلاد وفتح آفاق جديدة للعمل الديموقراطي، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبر عن إرادة الشعب المصري في انتخاب مرشحه للرئاسة وممثليه في الانتخابات البرلمانية وغيرها». وازدادت وتيرة الاحتجاجات الفئوية أمس خلافاً لما حدث خلال الأيام الماضية. وكان أبرزها تظاهر المئات من أفراد الشرطة في ميدان التحرير للمطالبة بزيادة رواتبهم، غير أن تحرك الشرطة قوبل باستهجان من الشارع بعدما تجمع عشرات المارة في محاولة لطرد أفراد الشرطة من الميدان. وظل المتجمعون يرددون: «الجيش والشعب ايد واحدة... والشرطة بره». وتجمع عدد من العاملين في وزارة التنمية الاقتصادية احتجاجاً على عدم تحديد أوضاعهم حتى الآن بعد إلغاء الوزارة ونقل تبعيتها إلى وزارة المالية. وتواصلت الاحتجاجات في شمال سيناء وعدد من المحافظات. ونظم العاملون في مستشفى رفح المركزي تظاهرات للمطالبة بزيادة الأجور وصرف الحوافز، كما أعلن سائقو حافلات الركاب الصغيرة في مدينة المحلة الكبري والمنصورة وطنطا (دلتا النيل) إضرابا عاماً، مطالبين بعزل رئيس النقابة العامة للسائقين لعدم تحقيق مطالبهم. يأتي ذلك في وقت قام الإداريون في مكاتب الصحة والإدارات الصحية في محافظة الغربية بالإضراب عن العمل للمطالبة بصرف حوافز للممرضات والأطباء، كما أضرب نحو 3 آلاف عامل في شركة الكوك في محافظة حلوان عن العمل مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن تردي أوضاع الشركة، إضافة إلى تحسين أوضاعهم المادية. وحذر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في رسائل قصيرة عبر الهاتف المحمول من «استمرار الممارسات غير المشروعة»، متعهداً «التصدي لها بحزم». وأعلن رئيس البورصة الدكتور خالد سرى صيام أن «البورصة مستمرة في الإغلاق لحين استقرار الأوضاع وضمان الوسائل التي تكفل استقرار أداء السوق بعد معاودة نشاطها»، فيما قدم «المجلس القومي لحقوق الإنسان» برئاسة الدكتور بطرس بطرس غالي استقالة جماعية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة «لإتاحة الفرصة أمام تشكيل مجلس جديد يتناسب مع الظروف والمعطيات الجديدة».