لا علاقة لي بالعنوان مطلقاً، لكنه يشير إلى واحدة من العبارات التي استفزتني في اليومين الماضيين، وأتمنى ألا تأخذها الجهات ذات العلاقة بمحمل الهزل، بل لا بد أن تمنحها جدية لا مثيل لها، فمن بعض الأفواه تخرج عبارات تشبه الرصاص، في ما لو تعاملنا معها بروح المواطن الصارم الذي تثيره عبارات الاستفزاز المغلفة بشعار التحدي، ونتابع بجدية ما يختفي وراء مخارج الحروف، وما تمنحه من قوة حضور وتكرار مَشَاهِد. خرجت الجملة الاستفزازية من فم متسولة عربية تحدت الأنظمة بصلابة رأس لا مثيل لها، مطلقة عبارة تصلح لأن توضع على أبواب مكاتب مكافحة التسول والمتابعة الاجتماعية، وكذلك إدارات الجوازات وتعتبر عبارة الموسم بالفعل. قالت هذه المتسولة عند القبض عليها «كلها ثلاثة أيام وأعود إلى المملكة»، وهي شجاعة تشكر عليها لأنها وضعت عن غير قصد يدها على شيء من الجراح، واعترفت بأن الطريق إلى العودة مفروش بالورد، وأن قدراتها تسمح لها بالانتقال من مكان إلى مكان، أو من بلد إلى بلد في ظرف ثلاثة أيام، وهو ما قد لا يتحقق لامرأة سعودية إلا بمحرم! هناك جزء سيتعامل مع العبارة وكأنها متطلبات موقف ليس إلا، وثرثرة كلامية لا تعني شيئاً، لكن الجزء العاقل الواعي يدرك تماماً أن العبارة لن تخرج من الفم، وفي هذا الموقف بالتحديد إلا ولدى اللسان المتحدث صدقية ينطلق من خلالها ويستند عليها، إنطلاقاً من تجارب سابقة يعيشها أو أخرى كان له حظ معايشتها ومشاهدتها. انْدَهِشْ فعلاً حين تقال بعض العبارات بلغات ساخنة متحدية؟ وبثقة لا يملكها ربما ابن البلد في ما لو وقف يوماً ما بموقف المتحدث بالعبارة، ومتأكد من أن هناك حقائق وتفاصيل تقف وراء بعض الجمل، ولو قُدِرَ ووقفنا عليها لوفرنا العظيم من الجهود، وعالجنا جزءاً من المشكلات الاجتماعية والصور المؤسفة تلك التي نتحايل دوماً عليها بالصمت أو البرود التام، لأن الشق أكبر من الرقعة. السؤال الذي لا يمكن تجاهله، ما الذي يدفع متسولة كهذه إلى إعلان راية التحدي والتحدث بقوة وربما «سَابِقِ خبرة» عن مصيرها المستقبلي المنتظر والمعلوم أثناء لحظات القبض؟ أو من منحها الجرأة لأن تضع النظام في الجيب الذي توجد به ريالات التسول؟ هل هي بالفعل خبرتها العريضة في هذا المجال، والمهارة التي تتمتع بها عند وبعد كل حال قبض؟ أم أن التسول حال إدمان يصعب العلاج منها، وهناك من يروج لها من أبناء المكان أو المقيمين فيه، شريطة الحصول على نسبة من المحصول اليومي؟! هناك ممرات سرية تمر منها المتسولة المتحدية، وكذلك المتسولون عند الذهاب والإياب في كل مشروع شحاذة مربح، التشهير وقطع يد كل من يوجد في هذه الممرات بالتستر أو التهريب أو الإخفاء هو الحل الوحيد، فقضايانا الاجتماعية لا تقبل سطر مجاملة واحداً، ما أخشاه أن يقول متسول من فئة الرجال في يوم مقبل «كلها يوم واحد وسأعود»، استناداً إلى فارق القدرات والعلاقات. [email protected]