شكراً «فيسبوك». شكراً «تويتر». شكراً «يوتيوب». شكراً لكل الإعلام الجديد بكل أدواته ومحتوياته ومستخدميه، أنْ مكّن شعوباً عربية تعيش بين حِِزم من الظلم والمظالم، من أن يعبر شبابها عن حرقة شيبانها، وتطرح مشاريعها، بلا خوف من القبضات الأمنية والمواعين الحزبية والآيديولوجية. شكراً للإعلام الجديد الذي أتاح للشعوب إسقاط أنظمة وحكومات جثمت على صدورها عقوداً طويلة. شكراً للإعلام الجديد الذي أفزع حكومات لا تكترث بالإنسان وترفض تبني الإصلاحات. شكراً لإعلام مستقل ذي نبرة عالية ووتيرة سريعة يوثق الصور ويشعل الأمل ويحرك الجماهير لنفْض غبار أنظمة وحكومات اعتادت على جلد الإنسان وتوسيع رقعة البيروقراطية والأنانية والمحسوبية. شكراً «تويتر» على تلك الكلمات المختصرة التي تأتي أشبه ب «لكمات» على صدور حكومات غيّبت الشباب، وأجبرتها على تبني الإصلاحات وتغيير الخطاب. شكراً «فيسبوك» لأنك جعلت من كان يتجاهل قدرة الإعلام الجديد يسأل عنك، ويفتح حساباً للتواصل مع أصدقائك، ويكتب على جبين صفحاتك. شكراً لإعلام يعرّي الأنظمة الجامدة التي ترفض التفاعل مع قضايا الشعوب ومطالبها، ويمكّن الشباب من الاتفاق على ثورات «وطنية» وصياغة خطاب إعلامي جديد يختلف عن التقليدي «المُبجِّل» لتلك الحكومات. شكراً للإعلام الجديد الذي مكَّن الشباب العربي من تطوير أدواته وتداول مشكلاته عبْر شبكات التواصل الاجتماعي، ليكسر الحصار المفروض على طاقاته وقدراته ليدشّن عالم التغيير. شكراً بوعزيزي. شكراً خالد سعيد، ورحم الله كل الشهداء، لأنكم أشعلتم ثورة حقيقية في عقول الشباب، وأعدتم ثورة الإنسان وقدرته على مقاومة الظلم. شكراً لأنكم منحتم الأمل لملايين الشباب في كل بلاد ليسهم في صناعة مستقبله وبناء وطنه واستعادة حقوقه. لم يهرب الشباب العربي من واقع الفقر والبطالة والتهميش إلى مواقع التواصل الاجتماعي إلا بعد سنوات من الإحباط وفقدان الأمل، فمنحتهم جرأة التفكير والتنسيق، والتعبير عن الآمال والطموحات لينطلقوا نحو التغيير وقيادة الثورات وإسقاط الحكومات. الإعلام الجديد غيّر واقع 30 عاماً في مصر في 18 يوماً، وقبله غيّر نظام حكم استمر 23 عاماً في تونس في 22 يوماً، وتواجه أقدم الحكام العرب معمّر القذافي ثورات في بنغازي وطرابلس والبيضاء على رغم سياسة القمع التي يطبقها، والرئيس اليمني علي صالح يواجه هو الآخر ثورة الشعب بالتعهدات ونفي التوريث، والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يواجه بدوره احتقان الشارع الجزائري يومياً، وفي البحرين خرج نصف الشعب إلى الشوارع ما بين مؤيد للحكومة ومتظاهر يطالب بإقالتها. فيما سارع بعض القادة إلى إجراء تغييرات وتعديلات سريعة لإطفاء الاحتقان، وتلبية المطالب الشعبية كما حدث في الأردن، عندما أقال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الحكومة في أعقاب مظاهرات عارمة طالبت بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية. وقدمت الحكومة الكويتية حزمة من الدعم المباشر للشعب الكويتي، فيما أعلن بعض الزعماء تخليهم عن فكرة توريث الحكم. يبقى الفقر والبطالة والإحباط وغياب مبادئ العدالة الاجتماعية وسوء توزيع الثروات، المهددة للحكومات العربية، فإذا لم تهتم بأوضاع الناس المعيشية وبمستقبل الشباب، وتعمل على وضع استراتيجيات توظف الطاقات الوطنية، وتوفر فرص عمل تؤمّن لقمة العيش الكريم والحرية والاستقلالية، فستبقى الثورات الشعبية تحاصرها وتسقطها. لقد فشلت دول عربية في تحقيق التنمية والديموقراطية والعدالة، ما جعل الغضب الإلكتروني العربي يتمدد ك «شرارة» تريد أن تصل إلى دول «الجمود»، لينقل المواقف الشعبية عبر وسائل الإعلام الجديد تصويراً وتدويناً وتعبيراً، من دون أن تتمكّن الأجهزة القمعية أو الرقابية من التدخل في محتواها أو طريقة بثها أو كيفية دخولها إلى البيوت والمجتمعات. في ظل يقظة الشباب العربي وتواصله «إلكترونياً»، ورغبته الجامحة في تحقيق أحلامه داخل بلاده، فإن تغيير خطاب الحكومات أو الاستمرار في التعهد بالإصلاحات ونفي التوريث، لا تكفي، ما لم تلمس الشعوب تحقُّق تلك الوعود على أرض الواقع، وبدء الحكومات في توسيع هامش المشاركة الشعبية أو أنها «ستصفّر العداد»، بعكس ما يتمنى الرئيس اليمني، وستخرج الجماهير للشوارع والساحات رافعة شعار «الشعب يريد تغيير النظام»!