رئيس الوزراء الهندي يعتزم زيارة السعودية    اجتماع بين أعضاء الشورى والبرلمان الأوروبي    فالنسيا يفاجئ ريال مدريد ويهزمه بثنائية في ملعبه    اليد الشاطئية تخسر أمام البحرين    فينالدوم يهدي الاتفاق التعادل مع القادسية    جولات رقابية على النفع العام    ورث السعودية على الطرق السريعة    الجمارك تسجل 1071 حالة ضبط للممنوعات خلال أسبوع    «الألكسو» تدعو إلى حماية المخطوطات العربية وحفظها ورقمنتها    الفنون البصرية تطلق غدًا "أسبوع فن الرياض"    لودي: علينا العمل بهدوء من أجل استعادة الانتصارات    الخارجية الفلسطينية: الاحتلال قتل 17952 طفلا في غزة    دي بروين يستعد لخوض آخر ديربي في مسيرته مع مانشستر سيتي    الصين: سنواصل اتخاذ إجراءات حازمة لحماية مصالحنا    تعليم جازان يعتمد مواعيد الدوام الصيفي بعد إجازة عيد الفطر    الحرب على المخدرات مستمرة.. ضبط عدد من المروجين بعدد من المناطق    موسم جدة يحتفي بخالد الفيصل في ليلة "دايم السيف"    ارتفاع صادرات كوريا الجنوبية من المنتجات الزراعية والغذائية في الربع الأول من عام 2025    الداخلية: ضبط (18407) مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    «التعاون الإسلامي» تدين قصف الاحتلال الإسرائيلي مدرسة دار الأرقم ومستودعًا طبيًا في قطاع غزة    أمطار رعدية غزيرة وسيول على عدة مناطق في المملكة    أسعار النفط تسجل تراجعًا بنسبة 7%    الشيخ أحمد عطيف يحتفل بزواج ابنه المهندس محمد    "كريستيانو رونالدو" يعلق على تسجيله هدفين في " الديربي" أمام الهلال    الجيش الأوكراني: روسيا تنشر معلومات كاذبة بشأن هجوم صاروخي    "أخضر الناشئين"يفتح ملف مواجهة تايلاند في كأس آسيا    رونالدو يعزز صدارته لهدافي دوري روشن للمحترفين    بعد رسوم ترمب.. الصين توقف إبرام اتفاق بيع تيك توك مع أميركا    «سلمان للإغاثة» يوزّع سلالًا غذائية في عدة مناطق بلبنان    رئيس هيئة الأركان العامة يستقبل قائد القيادة المركزية الأمريكية    "دايم السيف"... الإرث والثراء الخالد    إمام المسجد الحرام: الثبات على الطاعة بعد رمضان من علامات قبول العمل    إمام المسجد النبوي: الأعمال الصالحة لا تنقطع بانقضاء المواسم    بلدية رأس تنورة تختتم فعاليات عيد الفطر المبارك بحضور أكثر من 18 ألف زائر    نهضة وازدهار    العماد والغاية    شكراً ملائكة الإنسانية    النوم أقل من سبع ساعات يوميًا يرفع من معدل الإصابة بالسمنة    بريد القراء    السعودية تدين وتستنكر الغارات الإسرائيلية التي استهدفت 5 مناطق مختلفة في سوريا    العثور على رجل حي تحت الأنقاض بعد 5 أيام من زلزال ميانمار    الملك وولي العهد يعزيان عضو المجلس الأعلى حاكم أم القيوين في وفاة والدته    نفاذ نظامي السجل التجاري والأسماء التجارية ابتداءً من اليوم    المملكة تستضيف "معرض التحول الصناعي 2025" في ديسمبر المقبل    المملكة تحقِّق أرقاماً تاريخية جديدة في قطاع السياحة    ودعنا رمضان.. وعيدكم مبارك    أكثر من 122 مليون قاصدٍ للحرمين الشريفين في شهر رمضان    مركز 911 يستقبل أكثر من 2.8 مليون مكالمة في مارس الماضي    المملكة تدين اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي للمسجد الأقصى    الدول الثماني الأعضاء في مجموعة أوبك بلس يؤكدون التزامهم المشترك بدعم استقرار السوق البترولية    أكثر من 30 فعالية في (٨) مواقع تنثر الفرح على سكان تبوك وزوارها    بلدية محافظة الأسياح تحتفي بعيد الفطر وتنشر البهجة بين الأهالي    بلدية محافظة الشماسية تحتفل بعيد الفطر المبارك    وزارة الصحة الأمريكية تبدأ عمليات تسريح موظفيها وسط مخاوف بشأن الصحة العامة    محافظ الطوال يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك في جامع الوزارة ويستقبل المهنئين    باحثون روس يطورون طريقة لتشخيص التليف الكيسي من هواء الزفير    جمعية " كبار " الخيرية تعايد مرضى أنفاس الراحة    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بعيد الفطر    









«حلم ليلة صيف» لمندلسون: هزلية شكسبير تحت مجهر الموسيقى
نشر في الحياة يوم 21 - 02 - 2011

لم تكن مسرحية «حلم ليلة صيف» لويليام شكسبير من أكبر أعمال صاحب «هاملت» و «ماكبث»، بل كانت تعتبر من أعماله المتوسطة، وربما الترفيهية الخالصة أيضاً. فهذه المسرحية التي تدور أحداثها في أثينا حول حكاية حب معقدة بعض الشيء، والتي استقى شكسبير تفاصيل أحداثها من مصادر عدة قديمة ومعاصرة له، انكليزية (تشوسر) أو أجنبية (ديكاميرون)، كان طابع السهولة يغلب عليها، وكانت في بعض لحظاتها أقرب الى أن تعتبر هزلية لا أكثر. غير أن في المسرحية جانباً ما كان من شأنه ألا يلفت الفنانين، وهو الجانب السحري الليلي وما فيه من وجود للجن والعفاريت ومن شابههم وسط أجواء الغابة التي تدور فيها أحداث كثيرة. والحال أن شكسبير شدد على ذلك الجانب في عمله بعد قراءته كتاباً كان صدر في زمنه عنوانه «اكتشاف السحر». وهكذا بفضل ادماج هذا النوع من المناخ السحري/ الليلي، تمكنت المسرحية من أن تقدم جديداً، عدا عن حكاية الحب التي فيها، والتي لو نظرنا اليها مجردة لرأينا أنها أقرب الى العادية.
ومن المؤكد أن هذا الجانب السحري /الليلي/ الجني هو الذي فتن، ليس جمهور شكسبير وحده، بل أيضاً عدداً كبيراً من الفنانين، ولا سيما الرومنطيقيون منهم. ومن هنا، وسيراً على خطى الشاعر مواطن شكسبير ألكسندر بوب (1688-1744) استند فنانون وشعراء كثر الى هذا العمل ليحوّلوه إما قصائد أو لوحات أو أعمالاً موسيقية، رومنطيقية في أكثر الأحيان. وكان من بين المتحمسين، على مدى القرون التالية لشكسبير، الألماني كريستوف فيلاند الذي حولها الى قصيدة بطولية - هزلية أعطاها عنوان «أوبيرون» (1780) والرسام ويليام بليك الذي خلّد شخصيتين أساسيتين منها في لوحته «أوبيرون وتيتانيا»، إضافة الى الرسامين الألمان فون شفيند وفروكيك وفكتور مولر من الذين رسم كل واحد منهم لوحة أو أكثر مستوحاة من هذا العمل، وصولاً الى المسرحي ماكس رينهاردت الذي حول «حلم ليلة صيف» استعراضاً راقصاً لا ينسى سرعان ما اقتبسته السينما عند بداية ظهورها.
والموسيقيون لم يكونوا أقل اهتماماً بمسرحية شكسبير من غيرهم، ومنهم هنري بورسيل وفيبر وأمبرواز توماس ولويجي مانشينيللي وبومغارتنر ومارتن شو، من الذين وقّع كل واحد منهم اسمه على مغناة أو قصيدة سيمفونية تنطلق من مسرحية «حلم ليلة صيف» أو تصب فيها. غير أن الموسيقي الذي ارتبط به، أكثر مما بأي زميل آخر له، اسم «حلم ليلة صيف» هو الألماني فليكس مندلسون، الذي يظل عمله في هذا المجال، الأكثر قوة وحضوراً. لكن الغريب في أمر مندلسون هو ان افتتاحية «حلم ليلة صيف» لديه، إنما لحنت فيما كان بعد في سن السابعة عشرة، أي في العام 1826. وهو لئن كان عاد وأكمل العمل في عام 1843 ليضحى موسيقى مسرحية متكاملة تترجم أنغاماً وألحاناً، وقراءة نص في بعض الأحيان، مسرحية شكسبير هذه، فإن النقاد ومؤرخي حياته يقولون دائماً ان الافتتاحية المبكرة التي كتبها تظل أعظم أجزاء هذا العمل. والواقع أن مؤرخي الموسيقى استندوا الى الافتتاحية، كما الى عمل مبكر آخر لمندلسون هو «أوكتيت»، لكي يقيموا بينه وبين موزارت مقارنة لم تكن بعيدة عن الصواب، خصوصاً أن مندلسون، مثل موزارت، عاش كل حياته للموسيقى، ومات في شرخ الشاب، وقام بجولات أوروبية باهرة، وكان عازفاً كبيراً بقدر ما كان مؤلفاً كبيراً. حتى وإن كان حجم انتاج مندلسون لا يقارن بالحجم المدهش لإنتاج موزارت.
في عودة الى «حلم ليلة صيف»، كما لحّنها مندلسون للمسرح، لا بد من أن نوافق مع كل أولئك المؤرخين والنقاد الذين وجدوا دائماً أن روح عمل مندلسون هي الأقرب الى روح عمل شكسبير، بحيث ان هذا الأخير وجد في الموسيقي الألماني الشاب خير معبّر عن جوهر مسرحيته وأجوائها. وهذه القطعة الموسيقية الكبيرة، على رغم أن مندلسون بدأ كتابتها باكراً، لم تقدم للمرة الأولى إلا في عام 1843 وفي مدينة بوتسدام، وأتت في حينه لتضم، الى «الافتتاحية»، «سكيرزو» و «انترمتزو» و «نوكتورن» (ليلية) و «مارش زفاف». والغريب أن النقاد حين اكتشفوا العمل بكامله يوم تقديمه للمرة الأولى، أجمعوا على تكامله وانسيابيته، بين الافتتاحية المبكّرة والمقطوعات التي كتبت لاحقاً. وقالوا ان الافتتاحية نفسها كانت، ومنذ البداية، تحمل في أعماقها كل اللحظات اللحنية الكبرى في العمل بأكمله. وأجمع الباحثون، ولا يزالون حتى اليوم، على أن العمل يبدو قريباً جداً من تصوير شكسبير القلمي له، ولا سيما في مجال غوصه، في شكل شديد الألفة، في «حياة الجن والعفاريت والأرواح التي تسكن مناخ الغابة». ويمكن كل من يتمعّن في عمل مندلسون ان يجد، باستثناء «مارش الزفاف» الذي يحتفل احتفالاً صاخباً بزواج «تيسيه»، كيف ان كل موسيقى العمل تبدو موسيقى جدية محلقة في الفضاء منشرحة وحافلة بأصداء عناصر الطبيعة. ويرون انه منذ أول «نوطات» الافتتاحية يوضع المستمع في جو المكان ويغوص في هدوء الليل ودعته، وسط وشوشات أوراق الشجر وحفيفها. غير أن «السكيرزو» التالي مباشرة يأتي أيضاً أكثر خفة وارتباطاً بسحر الطبيعة. أما الجمل الموسيقية الأولى التي كانت تبرز في الافتتاحية فإنها سرعان ما تتكثف في «الليلية» لكي تتحول الى ما يشبه النشيد المهدى الى سلام الكون... والمعزوف تحت ضوء القمر الشاحب. وإذ يأتي «الانترمتزو» بعد ذلك نجدنا في وسط مشهد الحب الذي يهيمن، أصلاً، على الفصل الثاني من المسرحية، وهو المشهد الذي يتصدره هرمياً... ففي هذا المشهد، وإذ تخفق الموسيقى بضربات قلب عاشق، يكتشف المستمع ان ما يصغي اليه ليس قلب إمرأة، بل قلب حورية ليل حقيقية. وفي هذا الإطار نفسه لم يكونوا بعيدين من الصواب أولئك النقاد الذين رأوا دائماً أن مندلسون عرف في جزء «الليلية» من العمل «كيف يترجم أحسن مما فعل أي موسيقي آخر في تاريخ هذا الفن، الهدوء العميق الذي يخيّم على الطبيعة تحت ضوء القمر»، وهو على أية حال واحد من الموضوعات الأثيرة لدى الشعراء والفنانين الألمان حتى ولو لم يكونوا من الرومنطيقيين...
إذاً، منذ صباه، وبفضل افتتاحية «حلم ليلة صيف» على وجه الخصوص، حدّد فليكس مندلسون لنفسه مكانة أساسية في تاريخ الموسيقى. وربما يمكننا أن نقول: في تاريخ الموسيقى الرومنطيقية تحديداً. ومندلسون الذي ولد عام 1809، كان ابناً لواحدة من أعرق العائلات الألمانية وأغناها في زمنه. وهي كانت، في الوقت نفسه، عائلة منفتحة على الفنون والأفكار - ومنها موسى مندلسون أحد أكبر مفكري عصر التنوير الألماني -. ومن هنا نراه منذ طفولته يرتاد حلقات المثقفين والفنانين الذين كانوا اعتادوا الاحاطة بالعائلة. وهو منذ طفولته عرف بميله الى الموسيقى، عزفاً أولاً، ثم تأليفاً. والحال أن لقاء جرى بينه وبين كيروبيني، خلال زيارة مبكرة قام بها الى باريس، جعلته يقرر جعل الموسيقى عالمه وحياته. وهكذا عاد من العاصمة الفرنسية، متحمساً، الى درجة أنه عمد في عام 1829، ولفرط حماسته للموسيقى، الى تنظيم ما سيعرف لاحقاً بحدث القرن التاسع عشر الموسيقي: أشرف بنفسه على أول تقديم عالمي ضخم لقطعة جان - سيباستيان باخ الكبرى: «الآلام بحسب القديس متى»، منذ وفاة مؤلفها.
ومنذ ذلك الحين ارتبط اسم مندلسون بالموسيقى الكبيرة ارتباطاً وثيقاً، ولم يتوقف عن الانتاج وعن اقامة العلاقات مع موسيقيي أوروبا، على رغم انه لم يعش طويلاً بعد ذلك إذ رحل عن عالمنا في عام 1847، إثر نوبة قلبية تلت بشهور موت اخته الحبيبة. ومع هذا، فإن السنوات القليلة التي عاشها مندلسون كفته لكي يقوم بجولات أوروبية عدة، طلع من كل واحدة منها بأكثر من عمل كبير، مثل سيمفونيته «الإيطالية» والأخرى «الاسكتلندية»، والعمل الذي استقاه من زيارته جزر «الهبريد». ومن أعمال مندلسون الكبيرة الأخرى كونشرتات كثيرة للبيانو والكمان، لا سيما الرباعية الوترية الحزينة التي كتبها إثر موت شقيقته (من مقام ف صغير وتحمل الرقم 90 بين أعماله)، إضافة الى اوراتوريو «ايليا» الذي قاده بنفسه حين قدم في برمنغهام للمرة الأولى، علماً أن فليكس مندلسون، كقائد للأوركسترا كان من أوائل الذين حملوا خلال القيادة عصاها.
alariss@alhayat.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.