في كتابه «سطوة العواطف» (صدر في القاهرة عن دار «رؤية» بترجمة طلعت مطر)، يطرح البروفسور دافيد ساندر، وهو أستاذ في علوم الأعصاب يعمل في كلية علم النفس- «جامعة جنيف»، أسئلة أساسيّة عن العواطف البشريّة. ما الفارق بين أن يُنظر إليها كشأن أساسي أو ثانوي في الطبيعة الإنسانيّة؟ كيف يكون العالم من دونها؟ ما عددها؟ هل هناك تراتبيّة معيّنة لأنواعها المختلفة؟ ما هو أساسها في التركيب البيولوجي للبشر؟ هل تعبر كلمات متقاربة المدلول كالخوف والهلع والذعر والرعب، عن عواطف مختلفة، أم سيناريوهات مختلفة؟ ويورد ساندر أن العواطف تلعب دوراً محورياً في وجود البشر، لكن دراستها بطريقة علمية أُهْملت طويلاً، وهو أمر بدأ يتغيّر أخيراً. ويذكر أنّ الطب النفسي وعلم النفس الإكلينيكي يخوضان في دراسات تتعلّق بدور العواطف في أمراض كالقلق والاكتئاب والتوحّد. وكذلك يدرسان البنية العصبيّة للعواطف، بل يترسّمان مناطق الدماغ المرتبطة بها. ويذكّر بأن العقلانية قدّمت طويلاً بوصفها موقفاً نقيضاً للعواطف، وهو ما ينأى العلم عنه حاضراً. ويورد ساندر نظريات حديثة عن آليات عقليّة متّصلة بإثارة عواطف كالخوف والخجل والسعادة وغيرها. ويشير إلى تقدّم الدراسات العلميّة للعواطف بمساندة من التطوّر في تقنيات تصوير الدماغ منذ تسعينات القرن العشرين. ويذكّر بالنقاش الممتد منذ فلسفتي أرسطو وديكارت عن تقسيم العواطف، مشيراً إلى توافق على تصنيف الغضب والسرور والحزن والخوف والاشمئزاز ضمن ما هو أساسي، لأنها موجودة في أعراق الجنس البشري كلّها. ويلفت إلى أن طبيعة العواطف تعتمد على سلاسل من التقويمات المعرفية للمؤثّرات المحيطة بالإنسان، وهي تعتمد الثقافة والتربية والخبرة وغيرها. في كتابه «سطوة العواطف»، يؤكد ساندر أن مفهوم الذكاء العاطفي يمثل تقدماً مهماً في فهم العلاقة بين العقل والعاطفة، مذكّراً بأنّ أحد المذاهب الفلسفيّة اعتبر أنّ العواطف متهورة فلا تصح الاستعانة بها في التفكير المنطقي. ويورد تعريفاً علميّاً للذكاء العاطفي بأنّه مجموعة من المهارات في التعرّف إلى العواطف والتحكّم فيها، مؤكّداً قوة الاقتران العاطفي بين الفعل غير الأخلاقي والمشاعر السلبيّة، ما يساهم في تعزيز قدرة الجنس البشري على البقاء، كما يساعد على الترابط الاجتماعي. ويتناول العواطف في الطفولة المبكرة، معتبراً أنّ الصغار قادرون على الإحساس بآلام الآخرين، ويستجيبون لعلامات الضيق عند الآخرين ما يولّد سلوكاً يتصف بالمواساة عبر تصرّفهم بما يوحوا بمحاولة التخفيف عنهم. ويؤكد أيضاً أنّ الأشخاص الذين لا يكترثون بآلام الآخرين وخوفهم وحزنهم، يجدون صعوبة في الاندماج اجتماعيّاً. ويطرح ساندر سؤالاً عن إمكان أن تكون العواطف مُضلّلة عبر تشويشها على الانتباه والإدراك، مع تأثيرها على قرارات البشر وأفعالهم، بل ربما حدوث اضطرابات في الشخصيّة أيضاً. ويلفت إلى أنّ العواطف ربما تضع الإنسان في مواقف صعبة، لكن تجارب كثيرة أثبتت إنها تؤدّي دوراً مهماً في التنظيم العقلاني للسلوك والتصرّف، مع التشديد على الحرص على عدم عدم ترك أمرها للعقل المحض. وينقل ساندر مقولة للمفكر فرنسي بليز باسكال (وهو فيلسوف وعالِم رياضيات عاش في القرن السابع عشر) تفيد بأنّ لا شيء أكثر مرارة على الإنسان من عيش خمول تام، بلا شغف ولا عمل ولا دراسة ولا تسلية ولا تحوّلات، ما يرميه في قبضة الضعف والضجر والحزن والكآبة والضيق والاضطراب. وكذلك يفسّر ساندر التقدير الذي يمحضه البشر للفن، بقدرة الأخير على إثارة عواطف متنوّعة، مشيراً إلى أن الخيالات التي تتحرّك مع العواطف تكون مصحوبة غالباً بأحكام وتقويمات عقليّة. وينبّه إلى أنّ الفلسفة الغربيّة والتعاليم الدينيّة أثّرت في طرق النظر إلى العواطف التي اعتبرت مرضاً للروح والعقل، لافتاً إلى أنّ العلم اعتقد طويلاً أن دراسة المشاعر بطريقة دقيقة أمر غير ممكن، لأنّها ظواهر معقدة وغامضة ومكثفة، بل تستعصي أحياناً على الوصف والتفسير.