ليست لوحات الفنانين فقط هي التي تجذب عيون دور المزادات ومقتني الأعمال الفنية. مراسلاتهم ومكاتباتهم لها أيضاً مريدوها الطامعون في اقتنائها كونها تلقي الضوء على شخصية الفنان. هي بالتالي مصدر مضاربة مالية بين جامعي مقتنيات. هذه الحقيقة تنطبق على رسائل الفنان السوريالي رينيه ماغريت المعروضة للبيع في حزيران ( يونيو) المقبل، والتي تثبت أنه لم يكن فناناً مميزاً فقط، بل انه تمتع بحساسية خاصة لحركة السوق تتضح من خلال توجيهاته الدقيقة لتاجر الأعمال الفنية الذي يتعامل معه في نيويورك. منذ الصيف الماضي واسم الفنان البلجيكي ماغريت (1898-1967) يحوّم في سوق المزادات بين نيويوركولندن، كان آخرها في شباط (فبراير) الحالي لوحات عرضتها دار سوذبيز ضمن مجموعة أعمال فناني القرن العشرين من الانطباعيين والتجريديين. وبيعت له العام الماضي في نيويورك مجموعة من الرسائل والبطاقات البريدية الموجهة إلى مواطنه وصديقه الشاعر السوريالي بول كولينيه الذي كان التقى به في العام 1934 وسرعان ما أصبحا صديقين حميمين. كان ماغريت قد غادر باريس عائداً إلى بلجيكا متعباً من علاقته بالسورياليين الضائعين في المخدرات والجدل في ما بينهم. وتظهر الرسائل التأثير الكبير الذي تركه كولينيه عليه من خلال صداقة قوية استمرت حتى رحيله في العام 1957، وكان ماغريت يستمزج رأيه في بعض التفاصيل، من بينها عناوين لوحاته، فقد عرف عن كولينيه دقته في اختيار العناوين. وتكشف الرسائل أيضاً عن آراء ماغريت في الأدب والسوريالية، فهو لا يتفق مع اندريه بريتون مؤسس الحركة في فرنسا في بعض تنظيراته، ولا يحبّ الكتب التي أجمع السورياليون على الإعجاب بها، مثل قصة للكاتب الأرجنتيني بورخيس. ماغريت نأى عن السورياليين الباريسيين من دون أن يتخلى عن السوريالية نفسها، التي بقيت تؤطر أسلوبه الفني حتى النهاية. كل ما في الأمر انه استقل عن الأفراد المهيمنين عليها واجتهد شخصياً وأضاف إليها رؤيته الخاصة. بل إن بعض النقاد يعده من أبرز من ساهم في الاجتهاد البصري لهذه النظرية. رينيه ماغريت وقبل أن ينضم إلى الحركة السوريالية كان محسوباً على حركة الطليعيين في بلجيكا، متأثراً بتياريّ التكعيبية والمستقبلية. ثم كون مع زملاء له مجموعة سوريالية في بلجيكا نأت بنفسها عن مجموعة باريس، وكانت أكثر تفاعلاً مع المجتمع. أول عمل سوريالي لماغريت ظهر في العام 1925، أما أول معرض شخصي فقد أقيم في العام1927، تلته مشاركات في معارض جماعية ومعارض شخصية في أوروبا ولوس انجليس ونيويورك. اشتهرت لوحاته بعناصر متكررة مثل المظلات، التفاح، البايب أو الغليون، القبعات والملامح الغائبة، ومعروف انه أثر في عدد من الفنانين السورياليين. الرسائل التي لم تنشر من قبل والمعروضة للبيع مطلع الصيف المقبل في دار مزاد سوذبيز، كانت بحوزة جامع وثائق اشتراها عام 1978 في لندن بعد وفاة أرملة ماغريت، وهي موجهة من الفنان إلى ألكسندر لولاس الوسيط التجاري الذي يتعامل معه في نيويورك. وتكشف الرسائل عن فنان شديد التحكم عن بعد بكل تفصيل يخص لوحاته، سواء كان ذلك بغرض بيعها في السوق الأميركية، أو عرضها في معرض، يتدخل بكل ما يخص إطار اللوحة وأين تعلق تماماً في الصالة، والنصوص التي تستخدم في الكتالوغ. وكان يتدخل في التسويق من خلال توجيهاته الدقيقة للوسيط. ربما، وبسبب هذه العقلية التسويقية، لم يعان مارغيت أبداً من ضيق اليد، فأعماله كانت دوماً في حالة رواج. ثم لا ننسى أنه كان مثابراً وأراد أن يشتغل على فنه لا أن يقضي الوقت في السكر والغياب عن الوعي مثلما فعل بعض رفاقه في باريس، على حدّ قول مارشا مالينوسكي خبيرة الوثائق في سوذبيز في تصريحها للغارديان البريطانية. الرسائل تحوي أيضاً موتيفات بعضها يراه الجمهور للمرة الأولى، من بينها موتيف الرجل صاحب الوجه الخالي من الملامح الذي يظهر في لوحته المعنونة «المحرر»، وموتيف الكرسي فوق الكرسي في لوحته «الأسطورة». مالينوسكي تذكرنا أنه من النادر الحصول على رسائل بخط ماغريت، فما بالك وهي مصحوبة بموتيفات أو رسوم بخط يده بلغ عددها الأربعين. وتبعاً لأهمية هذه المجموعة يتوقع أن يتم بيعها بمبلغ يتراوح بين 150-250 ألف دولار أميركي. رينيه ماغريت عاد في الفترة الأخيرة بقوة إلى المشهد التشكيلي في بريطانيا، فبالإضافة إلى المزادات، هناك معرض تحضّر له صالة «ليفربول تيت» الصيف المقبل يستمر أربعة أشهر، وهو سيكون الأهم لهذا الفنان خلال عشرين سنة. ويسبر من خلال مئة لوحة غالبيتها لم تعرض في بريطانيا من قبل، العلاقة بين لوحاته الفنية المميزة وتلك ذات الصبغة التجارية التي وسمت أعماله المبكرة، خصوصاً فترة دراسته، ووفرت له استقراراً مادياً جيداً.