منذ أن انطلقت ثورتا تونس ومصر والصحف الخليجية تكتب افتتاحيات، وتنشر آراء الكتّاب، وصور المظاهرات، كلها تقطر جوعاً شديداً للديموقراطية والتغيير والاعتبار بما حصل. كل وجد في هذه الثورات مناسبة للتعبير، وبقول ما لم تسمح به الظروف من قبل. معظم الصحف والمواقع جلدت الرؤساء المخلوعين، نشرت أخطاءهم، وفضائح وزرائهم الضالعين معهم في الفساد، وصور تعذيبهم مواطنيهم ومعارضيهم، وحساباتهم المتضخمة. هناك إجماع على إدانة الظلم والفساد، والجشع وسرقة المال العام، وتدني معايير التنمية في مجالات عدة كالتعليم والتدريب وتوفير فرص العمالة وغياب المشاركة المدنية وحماية حقوق الإنسان. معظم الآراء التي كتبها الخليجيون ضجت بالغضب العارم، بعضها يحذّر وبعضها يتمنى، هذه الآراء هي آراء مثقفين ونخب في المجتمعات الخليجية، أما ما يكتبه الشباب على «تويتر» و«فيسبوك» و«وتس آب» فهو غضب من نوع آخر، مختصر الكلمات، ودقيق، وغير موارب، بل وشديد الصراحة. شباب ينتقد الأنظمة التي لا توفّر له عملاً ولا برامج تدريب، وتتعدى على حرياته الاجتماعية والفكرية والسياسية. الغضب الهادر في الكلمات إن كانت في الصحف أو في شبكات «النت الاجتماعية» لا يرى نفسه خارج دائرة مطالب التغيير. ولا يدعو الله بأن تكون هذه الثورات حواليهم، لا عليهم. الطاقة الشبابية التي حرّكت ثورتي تونس ومصر، هي عبقرية اكتسبها الشباب بسبب وسائل الاتصال العالمي وليس بسبب التعليم المتخلّف، وهم أكثرية الشرائح. المجتمعات الخليجية مثلهم مثل تونس ومصر. فماذا أعدت الأنظمة الخليجية لهذه العبقرية الشبابية؟ الخليج على تعدد درجات التشابه فيه والاختلاف، يعاني من غياب الحريات والفرص الاجتماعية أو السياسية والاقتصادية. وكلها تحتاج إلى المعالجة السريعة. التغيير السلمي ليس فقط هو فرصة متاحة للشعوب، بل هو أيضاً فرصة متاحة اليوم للأنظمة الخليجية، حتى لا تجد كرة الثلج أو شرارة الغضب منحدراً لها. هل نعدد ما ينقصنا؟ ما ينشر في الصحف وفي المواقع الاجتماعية يكفي أن تقرأه الأنظمة الحاكمة لتصل إلى خريطة كبيرة من الإصلاح والتغيير، لو تصفّحنا صفحات «الفيسبوك» التي أنشأها بعض المسؤولين للتواصل مع الجمهور على سبيل المثال سنجد أنها امتلأت بكثير من المطالب الأساسية وليست الرفاهية. لم يعد هناك مجال للقول إن عيون المسؤولين لا ترى الحقائق، وإن التقارير المزوّرة تحجبها. الصحف والقنوات الإعلامية تنشر علناً ما كان من المستحيل أن تنشره قبل عشر سنوات، والقضية اليوم لم تعد في النشر بل في الاستجابة لما ينشر، فالتعبير وإن كان مطلباً أساسياً فإن سرعة التجاوب المطلب الأكثر إلحاحاً. [email protected]