أصبح من المؤكد اليوم أن القصة الحديثة ليست «تقريراً عن التجربة» بقدر ما هي «التصوير الحي للتجربة»، والتي يسعى الكاتب إلى نقلها من المشهد الحياتي العابر إلى الحال الأدبية الرفيعة، مستثمراً في ثناياها مخزونه الفكري وتراكمه المعرفي أثناء الكتابة و لم تعد الكتابة القصصية في حاجة إلى استلهام الأمور الميتافيزيقية في العصر الذي انشغل فيه المبدع بذاته وهمومه الإنسانية ووجد نفسه مجبراً على التعاطي معه، وفق آلية سردية حديثة لتجديد هذا النوع من الأجناس الأدبية، وليس آخرهم بالطبع القاصة فاطمة عبدالحميد في مجموعتها «كطائرة ورقية» الصادرة أخيراً عن النادي الأدبي في المنطقة الشرقية، والتي حاولت من خلال 21 نصاً تناول قضايا مختلفة تهم الإنسان أولاً وبنات جنسها وما يشغل تفكيرهن الخاص في مجتمعهن المحلي؛ فتطرح الكاتبة مثلاً في نص «شريك العمر» كيفية لجوء الفتاة إلى البحث عن زوج، من خلال المفاتيح الحديثة «رأسين بالحلال» التي قدمتها العديد من المجلات الاجتماعية والمنتديات الإلكترونية وإيجاد طرق حديثة في إتمام عقود النكاح: «يا آنسة معك وداد من قسم التنسيق بالمجلة يسعدني أن أزف لك خبراً إن كنت لم تتزوجي بعد لكن أولاً وبعد إذنك نراجع معك الاستمارة الخاصة بك قبل أن نستأذنك لإرسال عنوانك للأخ المتوافقة بياناتك الحالية مع متطلباته لشريكة العمر». وغلبت المواقف المدرسية والتي امتلأت بها ذاكرة الكاتبة على مجمل نصوص المجموعة؛ فالجامعة والمدرسة والتلميذات والمعلمات واللوح والقلم والأوراق وسواها حضرت بحالات مختلفة وفي غير مكان وزمان؛ ففي «حصة الرسم» تكتب عبدالحميد: «بعد وجبة الفطور زاد حماس الأطفال في الصف خاصة وأنا أوزع الأوراق البيضاء عليهم وهم حول الطاولة المستديرة يتأهبون للرسم رقصاً في مقاعدهم، أقلام التلوين مبرية والأكف الممتلئة تقطف صوراً تختبئ في الذاكرة». لتحاول تقديم المجتمع التعليمي النسائي والذي تمثله فاطمة من خلال عملها وتعالجه بمباضعها الفنية في قصصها. ولئن كان النقد الأدبي الجديد اليوم ينادي بالابتعاد عن شعرنة السرد والاهتمام بالتفاصيل الأكثر تعاطياً مع القصة والرواية، فإن الحذر كان واضحاً من القاصة في عدم الانزلاق في تلك الهاوية حتى تخرج القصة كما ينبغي لها أن تكتب مستقلة عن الأجناس الأدبية الأخرى «تعلمت مريم مع الوقت مراوغة الحزن بالإفراط بنقيضه فمثلاً تجدها تعانق عروساً في (الكوشة) حتى تسقط تاجها وتبارك لها ب(زغرودة) طويلة حتى تكاد تصم الحاضرين وتدعوا على الحساد (بحصوات تملأ عيونهم وتعميهم)». إن ما تجدر الإشارة إليه هو أن النَفَس الإلكتروني يسجل حضوراً كبيراً في كتابات العديد من القاصيين الجدد، وبخاصة في التماس المباشر مع وسائط الاتصال السريعة كالماسنجر والفيس بوك وتويتر وسواها وهي «New Culture» - الثقافة الجديدة - في التواصل الإنساني والذي يمكن من خلاله الوصول إلى أفكار جديدة في الطرح الإبداعي في القصة أو الشعر أو الرواية، والخروج من تقليدية الأفكار إلى حداثتها المواكبة لإيقاع الحياة وحركتها المتجددة.