عاشت مصر أمس أول أيامها من دون رئيس بعد تنحي حسني مبارك، فيما كلّف المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكومة الحالية والمحافظين بتسيير الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وفي ما بدا أنه محاولة لطمأنة القوى الدولية، أكد المجلس التزام مصر كل المعاهدات الإقليمية والدولية. كما طمأن الشعب بخصوص «مدنية السلطة المقبلة». أما على الصعيد الميداني فقد بدأت الخلافات تدب بين «قوى الثورة» بخصوص الاستمرار في الاعتصام في ميدان التحرير أو فضه، إذ رأى بعضهم أنه بتنحي الرئيس يكون النظام قد سقط ومن ثم يجب ترك الفرصة للجيش من أجل إدارة شؤون الدولة وتنفيذ المطالب الإصلاحية التي تعهد الالتزام بها، فيما شدد آخرون على ضرورة استمرار الاعتصام في الميدان من أجل التأكد من مدنية الدولة. في غضون ذلك، لم تعلن السلطات عن مكان تواجد الرئيس المتنحي الذي تلقى النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بلاغاً أمس من محام يطلب فيه منعه وأسرته من السفر لحين تقديم إقرارات الذمم المالية الخاصة بهم ومنعهم من التصرف في أموالهم. وأفيد أن السلطات أصدرت قراراً بمنع العشرات من الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين من السفر إلا بإذن من السلطات المعنية. وخلت القائمة من اسم رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف. ووافقت اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) على رفع الحصانة عن أمين التنظيم في الحزب الوطني أحمد عز تمهيداً لبدء التحقيق معه. وأفيد بأن السلطات تحفظت على وزير الإعلام أنس الفقي قيد الإقامة الجبرية بعد أن كان يعتزم السفر إلى لندن أمس، إذ أرسل حقائبه إلى مطار القاهرة وعندما وصل فوجئ بقرار بمنع عدد كبير من الوزراء هو من ضمنهم من السفر إلا بإذن مسبق من السلطات. وأكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في بيانه الرابع الذي تلاه مساعد وزير الدفاع اللواء أركان حرب محسن الفنجري أن «الظروف التي تمر بها البلاد والأوقات العصيبة التي وضعت مصر وشعبها في مفترق الطرق تفرض علينا جميعاً الدفاع عن استقرار الوطن وما تحقق لأبنائه من مكتسبات»، مشيراً إلى أن «المرحلة الراهنة تقتضي إعادة ترتيب أولويات الدولة على نحو يحقق المطالب المشروعة لأبناء الشعب وأبناء الوطن في الظروف الراهنة». وذكر البيان أنه «إدراكاً من المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً لحرية الفرد فحسب، ولكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة في نفس الوقت وتصميماً ويقيناً وإيماناً بكل مسؤولياتنا القومية والوطنية والدولية وعرفاناً بحق الله ورسالته وبحق الوطن وبسم الله وبعونه يعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة التزام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بكل ما ورد في البيانات السابقة التي أصدرها وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ثقة في قدرة مصر ومؤسساتها وشعبها على تخطي الظروف الدقيقة الراهنة»، داعياً «كل جهات الدولة الحكومية والقطاع الخاص القيام برسالتهم السامية والوطنية لدفع عملية الاقتصاد إلى الأمام وعلى الشعب تحمل مسؤوليته في هذا الشأن». وكلف الحكومة الحالية والمحافظين بتسيير الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة، معرباً عن التطلع إلى «الانتقال السلمي للسلطة في إطار النظام الديموقراطي الحر، الذي يسمح بتولي سلطة مدنية منتخبة لحكم البلاد لبناء الدولة الديموقراطية الحرة». وأكد التزام مصر بكل الالتزامات والمعاهدات والاتفاقات الإقليمية والدولية، داعياً الشعب إلى «التعاون مع إخوانهم وأبنائهم من رجال الشرطة المدنية، ويجب أن يسود الود والتعاون بين الجميع ويهيب برجال الشرطة المدنية الالتزام بشعار الشرطة في خدمة الشعب». وفي ميدان التحرير، بدأ منذ صباح أمس الجدل حول فض الاعتصام أو استمراره، وهو الجدل الذي زاده عدم وجود قيادة موحدة لهذه الثورة الشعبية، إذ تكونت تكتلات صغيرة بين آلاف المحتجين دخلوا في نقاش حول جدوى الاعتصام. فمنهم من رأى أن استمرار التواجد في الميدان يمثل عامل ضغط من أجل إنجاز الإصلاحات بالشكل الذي يريده الشعب، منتقدين استمرار الحكومة الحالية في ممارسة أعمالها. في حين اعتبر آخرون أن مطالب الثورة تحققت بسقوط النظام وكل رموزه وأن الحكومة الحالية مهمتها فقط تسيير الأعمال. واحتد النقاش بين البعض حتى كاد يتحول إلى اشتباكات إلى أن توصل الجميع إلى ترك الأمر رهناً برأي كل فرد على حدة، فمن أراد البقاء فليبقى ومن أراد المغادرة فليغادر. والأمر ذاته تكرر في نقابة الصحافيين التي استضافت أمس مؤتمراً صحافياً لثلاثة من ائتلاف شباب 25 يناير بدأ بإلقاء أحدهم قصيدة شعر ثم تلا آخر مطالب الشباب التي أجملها في أن يكون الشعب مصدر السلطات، وطالب بمحاسبة كل من اعتدى على الثورة، وكل من سرق الشعب، داعياً إلى حل مجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية، وإنهاء حال الطوارئ، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب والجمعيات فوراً، وإلغاء أي قيود على حرية الرأي والتعبير والإعلام، والإفراج عن المعتقلين وتكوين حكومة انتقالية تعد لجمعية تأسيسية تحت إشراف قضائي كامل لتقوم بوضع دستور جديد للبلاد. وما كاد أن ينهي بيانه حتى ثارت الخلافات، إذ خرجت صحافية وسألت الشباب عمن فوضهم للحديث باسم الثورة والطلب من المعتصمين العودة إلى منازلهم. واحتد النقاش وانفض المؤتمر الصحافي بتشكيل مجموعات مماثلة للتي وجدت في ميدان التحرير يناقش أفرادها جدوى فض الاعتصام من دون التوصل إلى نتيجة لينتهي النقاش بأن لكل فرد الحرية في اتخاذ القرار. وسعت القوات المسلحة إلى إعادة المرور في محيط ميدان التحرير وانفض الاعتصام في الشارع المقابل لمقري الحكومة والبرلمان وعادت الحركة إلى الشارع، وباشر رئيس الوزراء الفريق أحمد شفيق عمله من مكتبه في مقر الحكومة بعد 4 أيام من حصاره، فيما يعقد اليوم اجتماع لمجلس الوزراء. وأزاحت القوات المسلحة الفواصل الحديدية التي أحاط المتظاهرون بها مداخل الميدان وطلبت من اللجان التي شكلت لتفتيش المارة والداخلين إلى الميدان بترك هذا العمل لجنود الجيش في محاولة منها لإعادة السلطة إلى الدولة. واصطف عشرات من جنود القوات المسلحة في طوابير وتحركوا صوب الميدان من كل الاتجاهات في محاولة لحصر التجمعات المتواجدة في الشوارع المحيطة بالميدان في محيطه. وشوهدت آليات للجيش لرفع السيارات المحترقة في الميدان من أجل إعادة الحياة إلى طبيعتها. ولاحظت «الحياة» تضارب الدعوات لفض الميدان أو استمرار الاعتصام فيه، إذ رفع شباب عند أطراف الميدان مكبرات الصوت وهتفوا في الجماهير المتوجهة إلى الميدان بأنهم من شباب 25 يناير الذين أوقدوا شعلة هذه الثورة وهم الآن ضد استمرار التظاهر وتواجدهم في الميدان فقط من أجل تنظيفه أما من يدعون إلى استمرار التظاهر فهم من «أصحاب الأجندات الخاصة». وظلوا يهتفون (هنضف الميدان .. وهنمشي). أما في محيط الميدان فاعتلى المنصة الرئيسية فيه خطباء حضوا الناس على استمرار التظاهر لحين ضمان تنفيذ الإصلاحات «حتى لا تضيع دماء الشهداء». ولوحظ تواجد الآلاف في الميدان أمس لكن غالبيتهم جاؤوا إليه في إطار الاحتفالات المستمرة بتنحي مبارك. وأكد نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين الدكتور رشاد بيومي ل «الحياة» أن جماعته لن تصدر قراراً مركزياً باستمرار الاعتصام أو فضه. وقال: «من يثق في تنفيذ الجيش للإصلاحات المطلوبة من الشعب فليغادر الميدان ومن يتشكك يستمر في الاعتصام». وأكدت الجماعة أمس أنها ليست طالبة سلطة «ولذلك لن ترشح أحداً للرئاسة»، ولن تسعى إلى الحصول على غالبية في البرلمان. وأكدت حرصها على الأمن القومي، والوحدة الوطنية وحقوق كل المواطنين في الحرية والعدل والمساواة والعدالة الاجتماعية. في غضون ذلك، أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تخفيف حظر التجول في البلاد. وينتظر انتظام كافة المصالح الحكومية في أشغالها اعتباراً من اليوم.