مع الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق نهائي بين روسياوتركيا على شراء الأخيرة منظومة الصواريخ الدفاعية أس 400، تتوالى ردود أفعال حلفاء تركيا في الغرب خصوصاً في حلف الأطلسي الذي انضمت تركيا إليه مبكراً في عام 1952. السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه، يتعلق بحاجة تركيا إلى مثل هذه المنظومة الصاروخية، وفي أي سياق تأتي هذه الصفقة مع روسيا. تتحدث الأوساط التركية عن جملة من الأسباب التي تدفع تركيا إلى شراء مثل هذه المنظومة، أهمها: 1- على رغم التطوير الذي شهده قطاع التصنيع العسكري التركي ولاسيما في مجال الطائرات والمروحيات المقاتلة، إلا أن تركيا تعاني ضعفاً كبيراً في مجال الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، في وقت حققت إيران وإسرائيل قفزات كبيرة في هذا المجال، وهو ما يجعل تركيا تحس بأن ظهرها مكشوف أمنياً، لاسيما أن مثل هذه المنظومة يستخدم في مواجهة حرب الطائرات الاستراتيجية والصواريخ الباليستية وغيرها من وسائل الهجوم الجوي. 2- إن تركيا التي تتطلع إلى أن تتحول إلى دولة مصدرة للأسلحة والانتقال إلى القوة الخشنة بعد إقامة قواعد عسكرية في قطر والصومال والعراق، وقيامها بعملية درع الفرات في شمال سورية والحديث عن عملية مماثلة تحت عنوان شمس الفرات، تتطلع إلى توطين الخبرة العسكرية في مجال الصواريخ البعيدة المدى والمنظومات الدفاعية من نوع أس 400 وغيرها. 3- إن إحجام الدول الغربية وحلف الأطلسي في السنوات الأخيرة عن دعم تركيا بمثل هذه المنظومات، ولاسيما بعد سحب دول الحلف المنظومة الدفاعية (باتريوت) من الأراضي التركية عام 2015، يدفع بتركيا جدياً إلى البحث عن بديل، وفي هذا الإطار ينبغي النظر إلى المفاوضات التي أجريت مع الصين قبل سنوات قليلة لشراء منظومة صواريخ متوسطة المدى على رغم أن الصفقة فشلت. 4- إن الصفقة مع روسيا في شأن أس 400 تأتي في ظل التقارب الكبير الجاري بين الجانبين وتعاونهما في عدد من ملفات المنطقة، وتطلع كل طرف إلى تحقيق أهداف من علاقته بالآخر، وإذا كان الثابت أن روسيا تريد إبعاد تركيا عن منظومة الأطلسي، فإن تركيا ترى في تقاربها مع روسيا ورقة تلوح بها في وجه الغرب لدفعه إلى إعادة النظر في سياسته في شأن القضايا الخلافية ولاسيما العلاقة مع الأكراد ودعمهم. ومع الاعتقاد بأن صفقة أس 400 باتت أكيدة، بخاصة في ظل حديث الطرفين الروسي والتركي عن الانتهاء من الجوانب الفنية للصفقة ومناقشة الجوانب المالية لها حيث تقدر الصفقة ببليونين ونصف بليون دولار على أن تشمل خمس وحدات، فإن الأنظار تتجه إلى ردود فعل الغربيين، وهنا لا بد من التوقف عند ما يأتي: 1– تأكيد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أن قضية توجه تركيا إلى عقد مثل هذه الصفقة شأن تركي سيادي وداخلي لا تتدخل فيه الولاياتالمتحدة، إلا أن هذا التأكيد يتناقض مع إعلان رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية المسلحة جوزف دانفورد أن هذه الصفقة تشكل قلقاً للإدارة الأميركية وللعلاقات الأميركية – التركية. 2- تأكيد حلف الأطلسي أن منظومة الصواريخ الدفاعية أس 400 الروسية لا تتوافق مع المنظومة العسكرية للحلف، فكيف لتركيا أن تجمع بين المنظومتين المختلفتين في بلد عضو في الحلف. 3- الحديث عن أن تركيا تستخدم هذه الصفقة كورقة أو رسالة في وجه الدول الغربية لدفعها إلى تقديم تنازلات لتركيا في القضايا الخلافية، ولاسيما قضية دعم الأكراد وكذلك القضية القبرصية. 4- تلويح العديد من الأوساط الغربية بممارسة المزيد من الضغوط على تركيا لثنيها عن هذه الصفقة، وصولاً إلى إفشالها، كما حصل في الصفقة مع الصين بعد أن اقتربت من الإنجاز. 5- تلويح دول الحلف بإجراءات ضد أنقرة إذا مضت في إنجاز الصفقة مع روسيا، ومن هذه الإجراءات إخراجها من عضوية الحلف أو تجميد عضويتها حتى تلتزم بقواعد العمل المتبعة في منظومة الحلف، وكذلك تجميد مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. حتى الآن، تقول تركيا على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان إنها ماضية في إنجاز الصفقة مع الروس، إذ إنها بحكم موقعها من الحروب والمتغيرات الجارية في المنطقة تجد نفسها أمام خيارين، فإما أن تمتلك نظاماً جوياً على غرار منظومة أس 400 وهو ما تسعى إليه، أو أن يلبي حلف الأطلسي حاجتها. * كاتب سوري