لم يبق سوى بضعة أشهر تفصل المصريين عن صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقرر أن تنطلق في النصف الأول من العام المقبل، وبدأت إرهاصاتها في الظهور على الساحة السياسية في بلد تراجعت فيه إلى حد كبير مساحة الحياة السياسية بفعل موجة من العنف والإرهاب هي الأشرس في التاريخ الحديث، فضلاً عن ضعف مختلف القوى الحزبية والشعبية. ويُنتظر أن تعيد الانتخابات الرئاسية بعضاً من صخب السياسة على رغم أن المعركة تبدو محسومة سلفاً لمصلحة الرئيس عبدالفتاح السيسي، نظراً لما يتمتع به من شعبية حتى مع القرارات الاقتصادية الصعبة التي اتخذها في ولايته الرئاسية الأولى التي تنتهي في حزيران (يونيو) المقبل. وعاشت مصر بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) من العام 2011 سنوات سياسية صاخبة إلى حد الاضطراب، بدا أنها سببت تشبعاً شعبياً من متابعة تفاعلاتها، التي انتهت بفوضى في أحيان عدة. ومع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي، تعاني الأحزاب السياسية الرأسمالية منها واليسارية ضعفاً غير مسبوق، حتى أنه لم يعد لها أي تأثير في الساحة أو وجود أو تفاعل مع الجماهير. ولا يوجد في مصر حزب سياسي حاكم، فالرئيس السيسي أعلن منذ اللحظة الأولى أنه لا يعتزم الانضمام إلى أي حزب أو تشكيل آخر جديد، وإن كانت غالبية الأحزاب الموجودة على الساحة تدعمه. ومن حين لآخر تظهر حملات تُروج لانتخاب السيسي لفترة رئاسية جديدة، وفي أحيان تُطلق دعوات لتعديل الدستور للسماح بفتح مدد انتخاب الرئيس لولايات عدة، وعدم قصرها على ولايتين، وفق ما ينص الدستور المعول به. كما تظهر حملات بين الشباب، القوى اليسارية خصوصاً، للاتفاق على مرشح واحد من التيار المدني للدفع به في منافسة الرئيس عبدالفتاح السيسي. وقال البرلماني السابق محمد أنور السادات إن مجموعة من الشباب طرحت عليه فكرة الترشح في الانتخابات المقبلة، لافتاً إلى أن الأمر في حاجة إلى دراسة، وأن قراره في هذا الصدد قيد المناقشة مع مجموعة من المتطوعين لقيادة حملته في حال خوض الانتخابات. والسادات أطيح من البرلمان وأسقطت عضويته بعد تحقيق في اتهامه بتسريب قانون الجمعيات الأهلية لسفارة أوروبية، وهو أمر نفاه، واعتبر أن إطاحته كانت بدافع الانتقام من بعض ممارساته البرلمانية. وقال الأمين العام لحزب «تيار الكرامة»، الذي يضم غالبية القوى اليسارية، محمد بسيوني إن مسألة خوض التيار انتخابات الرئاسة المقبلة نوقشت على نطاق واسع في التيار ومكوناته، وتم الاتفاق على إعداد برنامج شامل للنهوض بمصر وطرحه على الشعب قبل التفكير في شخص المرشح للانتخابات، لافتاً إلى أن التيار يسعى لحشد كل القوى المدنية في جبهة واحدة والاتفاق على مرشح واحد فقط لتمثيل تلك القوى في الانتخابات في مواجهة الرئيس السيسي. ويعد السياسي والمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي أبرز وجوه «تيار الكرامة»، لكنه لم يحصل في الانتخابات السابقة إلا على نسبة قاربت 4 في المئة من أصوات الناخبين في مواجهة السيسي، الذي حاز ثقة أكثر من 90 في المئة من المقترعين. وقال بسيوني: «ليس المهم شخص المرشح، لكن الأهم برنامجه. نحن في حاجة لبرنامج إنقاذ ونهوض بالدولة، وهذا ما نعكف عليه... في كل الأحوال نسعى للالتفاف حول مرشح واحد لضمان عدم تشتت كتلتنا»، لكنه أقر بأن هناك بطئاً في الحراك في هذا الصدد. وقال: «في الحقيقة هناك بدء في اتخاذ خطوات عملية في هذا الشأن». لكن بسيوني تجاهل حقيقة أن لا شعبية يُمكن رصدها بوضوح لرموز الأحزاب السياسية، التي غابت عن التفاعل مع المشكلات الحياتية للمواطن المصري، وتلك الحقيقة يعلمها كل القائمين على الحُكم في مصر، وربما كان لها دور في إقدام الرئيس السيسي على اتخاذ قرارات وإجراءات اقتصادية من شأنها المس بشعبيته، فهو يعلم أن لا وجود لمنافسين جادين له. وحرص الرئيس السيسي دوماً على عدم تأكيد خوضه انتخابات الرئاسة المقبلة، ففي كل مرة يُطرح عليه السؤال يرد الأمر إلى «الرغبة الشعبية»، وهو دوماً يؤكد أنه لم يكن لينظر إلى «الحسابات الشعبية» عن اتخاذ القرارات والإجراءات الاقتصادية الصعبة التي يراها ضرورة للإصلاح الجذري للاقتصاد المتردي. وفي آخر مؤتمر للشباب، تلقى السيسي أسئلة عن ارتفاع الأسعار وزيادة معاناة المواطنين خصوصاً الطبقة الوسطى على رغم وعوده بلجم الأسعار، وعن استمرار الهجمات الإرهابية بعد 4 سنوات على منحه تفويضاً شعبياً لمجابهته، وهو رد بإجابات صريحة خلت من أي محاولات تجميل، فعدد بداية بعض المشاريع الكبرى التي أنجزتها حكومته في 3 سنوات، ومشاريع أخرى قيد الإنشاء، لافتاً إلى أن العمل من أجل مستقبل الأبناء والأحفاد أمر يستحق التضحية. أما بخصوص الإرهاب، فأكد أن المعركة معه طويلة وممتدة ومجابهته فكرياً قد تستغرق سنوات طويلة. وسُئل السيسي عن اعتزامه الترشح لفترة رئاسية جديدة، فقال إن المهم بالنسبة له ليس الأشخاص ولا الترشح، ولكنه مهتم بمشاركة الشعب في تلك الانتخابات، وحض المواطنين سواء مؤيديه أو معارضيه على النزول إلى صناديق الاقتراع واختيار من يريدون.