عاد أهالي حمص القديمة إلى أطلال مدينتهم بعد انسحاب مسلحي المعارضة منها، باتفاقية تمت بين الحرس الثوري الإيراني كمفاوض عن النظام وبين الجبهة الإسلامية وذلك ضمن بنود لسنا بوارد الخوض فيها الآن، ليجدوا أجهزة الإعلام المؤيدة للنظام في انتظارهم ترصد نظراتهم الشاخصة إلى أطلال أحيائهم المدمرة. لطالما تردد الكلام في أوساط المعارضة عن نظرية إفراغ حمص لإتمام مخطط الدولة العلوية، والذي كان ولا يزال بعيداً من الواقع عملياً، ومن إرجاع أهل حمص إلى أحيائهم المدمرة أمام أعين العالم. وعندما تتفاوض الجبهة الإسلامية مع الحرس الثوري الإيراني على حمص التي لا وجود للجبهة الإسلامية فيها، فنحن أمام مرحلة جديدة تكون فيها الجبهة الإسلامية لاعباً أساسياً كما كان مخططاً لها منذ نشأتها. أي أننا أمام مشروع تقسيم واضح المعالم يطول تفنيد مكوناته وتفاصيله، ولكنه ليس تقسيماً طائفياً بل تقسيماً وفق موازين القوى، يقسم سورية إلى سورية الأسد وسوريا الفوضى. لنستطلع المشهد، مع ماكينة التدمير الممنهج التي يتبعها النظام. أناس عائدون إلى اللاشيء بعد عامين من القصف والبراميل، والنظام يرحب بهم على الرحب والسعة بعد أن حاصر من كان في هذه المنطقة من المدنيين لمدة عام ونصف العام مانعاً عنهم الطعام والدواء، ولم يسمح بخروجهم إلا بعد وساطات دولية. ما المطلوب من كل ذلك إذاً؟ لا نستطيع قراءة المشهد من حمص وحدها، بل علينا رؤية المشهد السوري من مختلف الزوايا، فالمناطق التي تم تدميرها بنسب كبيرة أصبحت غير قابلة للحياة بعد تدمير البنى التحتية والخدمات. نبدأ من ريف دمشق حيث نرى أن الزبداني وداريا والمعضمية كانت صاحبة النصيب الأكبر من الدمار، فتراوحت نسبة الدمار فيها بين 75-80 في المئة. أما في دمشق فقد كانت المنطقة الجنوبية هي المتضرر الأكبر، حيث تم محو منطقة التضامن بالكامل تقريباً، بالإضافة إلى منطقة الحجر الأسود ويلدا ومخيم اليرموك. في حمص صارت حمص القديمة مدينة مدمرة بالكامل، ودمرت حلب الشرقية بزمن قياسي. تعرضت دير الزور- المدينة القديمة لدمار هائل فيما بقيت أحياء الجورة والمطار بعيدة من الدمار. ما سبق كان توصيفاً لخريطة الدمار الممنهج في سورية، وكل ما ذكر سابقاً يقودنا في اتجاه واحد هو مفتاح الحل وخاتمة الحل ألا وهو إعادة الأعمار. هناك مخططات ومشاريع موضوعة من قبل النظام لكل منطقة مما سبق، في ما لو لم تقم الثورة: بالنسبة إلى داريا والمعضمية، سنعود بالذاكرة قليلاً ونستحضر قصة مطار المزة العسكري المشابهة لمسمار جحا، حيث كانت كل أراضي أهالي داريا والمعضمية محرمة عليهم، لا يستطيعون البناء فيها أو الزراعة بحجة انها أراض مطلة على مطار المزة العسكري. ويتذكر السوريون جيداً قصة بناء «ياسمين روتانا» الذي كان معطلاً في اوتوستراد المزة لنفس السبب، ألا وهو إطلاله على مطار المزة العسكري، قبل أن يتم شراؤه من قبل رامي مخلوف بواجهة اسمها «مجموعة شام القابضة» وبأبخس الأسعار، تزامناً مع قيام مخلوف بشراء الأراضي المحيطة بمطار المزة بسعر 10 ليرات للمتر المربع الواحد، ناهيك عما تسرب عن نيته نقل مطار المزة العسكري إلى منطقة أخرى والبدء بمشروع الشام الجديدة الممتدة من نهاية أوتوستراد المزة إلى داريا والمعضمية التي لا تبعد أكثر من 8 كيلومترات عن مركز مدينة دمشق. ومنذ بدء الحملة العسكرية على المناطق الثائرة كان تعامل النظام مع داريا والمعضمية مختلفاً وعنيفاً، فبالإضافة إلى البراميل والقصف الذي لم يهدأ عليها، تم تفخيخ ونسف وهدم الكثير من المباني القريبة من مطار المزة دون أي اشتباك. كما هدِمت منطقة «دعبول» في حي التضامن من طريق التفخيخ والتفجير، ومن دون أن تكون هناك معارك، بحجة المخطط التنظيمي الجديد، علماً أنها كانت منطقة تنظيم جديد وأبنية طابقية، كما حدث في منطقة بساتين الرازي «المزة القديمة». أما في الزبداني، فإن المنطقة التي تم هدمها بشكل شبه كامل هي «البلد»، أي الأحياء القديمة، بينما بقيت مناطق الفيلات والمعروفة ب «توسع الزبداني « من دون أن تتعرض للتدمير، بل اقتصر الضرر على السرقات المعهودة لمليشيات النظام وكانت ملاذاً شبه آمن لأهل الزبداني المهجرين. في بداية حكم الأسد الابن، انتشرت قصة الشركة الألمانية التي تقدمت بمشروع لإعادة تنظيم مدينة الزبداني كونها منطقة سياحية، وعلى غرار مدينة ألمانية، لتكون مدينة سياحية بالكامل كاملة التجهيز، وكان المشروع يستهدف المنطقة القديمة. تم رفض المشروع كالعادة لأسباب تتعلق «بسيادة الدولة». أما في حمص، فيتذكر السوريون جيداً المشروع المسمى «حلم حمص الكبير» لصاحبه إياد غزال، محافظ حمص السابق المقرب من بشار الأسد، حيث تم الترويج له منذ عام 2005 وأُعلن عن انطلاقه في معرض دمشق الدولي. ومخططاته موجودة علناً على اليوتيوب ومواقع الإنترنت، حيث يستهدف هذا المشروع هدم مدينة حمص القديمة وتحويلها إلى أبنية طابقية تزيد استيعاب المدينة إلى أربع أضعاف. حلب الغربية الواقعة تحت سيطرة النظام هي الأحياء الراقية والمنظمة، بينما حلب الشرقية هي الواقعة تحت سيطرة الثوار بأحيائها من صلاح الدين والصاخور والشعار وبستان القصر وهنانو والهلكّ. معظم هذه المناطق هي مناطق شعبية وبعضها مناطق مليئة بالمخالفات والعشوائيات مثل حندرات والهلكّ والصاخور. يتساءل كثيرون عن سر حملة البراميل الهمجية على حلب الشرقية، ويستغرب المتابعون هدف النظام منها، حيث أن البراميل لم ولن تحقق أي تقدم على الأرض لمصلحة قوات النظام سوى أنها هجّرت أهالي حلب الشرقية ودمرت الكثير من الأحياء المذكورة أعلاه. فهل يكون كل هذا الدمار الهمجي وكل هذه الأرواح التي أزهقت هي الثمن الذي دفعه الشعب السوري، ليقبضه رأس النظام رصيداً في صفقات إعادة الإعمار كمكافأة نهاية الخدمة عند القوى الدولية؟.