لعلّ الملاحظة الأبرز في ما يخصّ الدراما المصرية خلال الموسم الرمضاني الأخير تكمن في الصورة الإخراجية التي خرجت من إطارها التقليدي. في الماضي شاهدنا أعمالاً درامية كانت الأشهر والأهم في تاريخ المسلسلات المصرية، لكنّها ظهرت بصورة أقلّ جماليةً من نصوصها ومضامينها. وهذا ما يصدق على أعمال بالغة الحضور والأهمية مثل «ليالي الحلمية» و «أرابيسك» وغيرهما. ملاحظتنا تنبع من هيمنة فكرة خاطئة سيطرت طويلاً على عقول صناع الدراما وأذهانهم في مصر وهي تقول إن الدراما التلفزيونية هي سينما من الدرجة الثانية، فرأيناها تحصر نفسها في استوديواتها المغلقة وتتلكأ في الخروج منها الى فضاء التصوير الخارجي في الأماكن الحقيقية حيث تحتاج الدراما أن تكون. الدراما المصرية وقد خرجت من أماكنها الضيقة الى فضائها المفتوح ربحت نفسها وأعادت تأهيل لياقتها الفنية بما يليق بتاريخها الريادي وبكونها وريثاً لتاريخ طويل وعريق لصناعة سينمائية مصرية هي الوحيدة التي يمكن اعتبارها صناعة عربياً. هو فضاء مختلف أحدث انتقالاً نوعياً فيه لغة فنية مغايرة تحتفل بالجماليات وبالصورة باعتبارها المفردة الأهم في الدراما كلها. تجدد اللغة الفنية رأيناه في معظم الأعمال التي عرضت في موسم رمضان الفائت، وبالذات في «كلبش» و «ظل الرئيس» للمخرجين بيتر ميمي وأحمد سمير فرج وهما حققا مشاهدات كثيفة ونالا إعجاب المشاهدين والنقاد. في العملين تنمو المشاهد ضمن حركية تفارق رتابة الأعمال الدرامية السابقة وتستفيد إلى حد كبير من تجربة السينما في شحن الصورة التلفزيونية بدفق لا يخلو من الجاذبية والتشويق، ليس في السرد الحكائي وحسب ولكن في بنائيته الفنية على نحو يضع المشاهد في زخم المشاهدة مبتعداً به عن دراما ظلت توصف طويلاً بأنها «مسلسلات إذاعية مصورة» بسبب مركزية الحوار فيها على حساب المشهد والصورة وحضورهما في خلق علاقة مع المشاهد تقوم أولاً وأساسًا على حدقة الكاميرا باعتبارها الراوية. هذا التجدد لا يقف بالطبع عند حدود الجماليات الشكلية ولكنه يتجاوز معها الى إعادة تشكيل مفردات العمل ككل خصوصاً فاعلية الأدوار التي شاهدناها تتمتع بوحدة متفاعلة تمتلك بناءها المشغول بعناية أكبر وأكثر وضوحاً إلى الحد الذي جعل الأدوار «الثانوية»، حاضرة كأحجار رئيسة في البنيان كله. فهي تتفاعل وتأتلف وتمنح العمل صدقيته وتلقائية علاقته مع المشاهد معظم الأحيان. إن دراما الرؤية السينمائية بالذات هي من تمتلك المستقبل. لا أتحدث هنا عن دراما يحققها مخرجون أتوا من عالم السينما بالضرورة، ولكن عن مخرجين يمتلكون الرؤية السينمائية ويستطعيون استعارة حدقتها وخيالها إلى دراما التلفزيون المعروفة بمساحتها الزمنية الشاسعة بما تحمله من عوامل شدها باستمرار الى زئبقية- ورتابة- تثقلها. العين السينمائية هي القادرة على الخروج من ذلك والتوغل أكثر في حمأة الدراما حيث ترتقي الصورة ويرتقي المشهد ويحقق السرد غاياته الفنية وجمالياته على نحو مختلف.