هل هو الحنين ما يدفعنا بين وقت وآخر إلى أن نتذكر الأعمال الدرامية العربية الأولى؟ ربما يكون للحنين دور مهم في ذلك، على أنه ليس السبب الوحيد، فثمة في تلك الأعمال ما يتجاوز نوستالجيا الفرد، وبحثه الدائم عن أحداث حياته الماضية وارتباطها بهذا الأثر الفني أو ذاك. في الأعمال الدرامية الأولى ثمة «بكارة» من نوع ما... جدّة أخذت بالقلوب والأفكار: «السرد» الدرامي الأول جاء قريباً إلى حدود قصوى للسرد الحكائي التراثي العربي، وطرائقه في جذب انتباهات المستمعين الذين كانت تقبض على وعيهم وانتباههم براعة السارد أو الحكواتي فتشغل لياليهم بما هو ممتع ومثير. أشير هنا بالذات إلى ميزة التشويق وكيف كانت تنتهي كلُ حلقة درامية تلفزيونية بنصف حدث تاركة المشاهدين في ذروة واقعة تقطعها نهاية الحلقة ليترقبوا طيلة أسبوع كامل موعد الحلقة الجديدة. كان ذلك في زمن مسلسلات ال13 حلقة بحسب الدورة التلفزيونية في المحطات العربية في تلك الأيام. منذ زمن طويل انقرضت هذه «اللعبة الدرامية»، وهي التي كانت مفردة حيوية بل أساسية في الكتابة الدرامية كما في الإخراج على حد سواء. يرد بعض مخرجي الدراما التلفزيونية على ذلك فيقولون إنهم في زمن «الدراما الشاملة» التي لا تستهدف «الإبهار الموقت» بل تذهب نحو الرواية التلفزيونية الكاملة التي لا يجوز مشاهدتها إلا في اكتمالها. هي آراء لا يخلو كلُ منها من أسبابه وحتى من وجاهته، لكننا مع ذلك لا نرى فن الدراما خارج «لعبة التشويق»، والفرجة لا تحلو من دون التشويق مهما كان النص محكماً والحلول الإخراجية رشيقة. لعلّ هذا بالذات أحد الفوارق الرئيسة بين المسلسل والفيلم أو التمثيلية، حيث في الفيلم والتمثيلية «وجبة» درامية يتناولها المشاهد في جلسة واحدة، فيما المسلسل وحده يحتاج بانقطاعات بثّه إلى «حوافز» فنية رشيقة وعالية الجاذبية كي يمكنه من خلالها «استعادة» المشاهد كلّ ليلة كي يتابع ما انقطع في الليلة السابقة. هي أيضا «لعبة» الفن وبعض أساليبه، لكنها مرّة أخرى ذهنية القص الحكائي العربي الذي ورث «ألف ليلة وليلة»، وورث معها السير الشعبية الكبرى، وكلُها نهضت في فن سردها على انقطاعات مفاجئة كانت تجعل روّاد تلك السهرات يمسكون بالحكواتي، ويصرّون على أن لا يذهب قبل أن يفكّ أسر عنترة بن شداد.