هل الرواية الحقيقية هي الرواية التي لا تستطيع السينما والتلفزيون مجاراتها، هل الروايةُ فنٌّ مكتوب لكي يُقرَأ؟.. هل يمكنُ أن يكون هذا تعريفاً للرواية من زاوية ما؟.. ابتدأتها بالأسئلة لأبحث من زاويه ثقافية عن إجابة، رغم أن الرواية السعودية تحديدأ لم تدخل سباق المنافسة مع الرواية العالمية والمصرية تحديداً, وكانت للرواية السعودية تجارب بسيطة لا ترقى لما سبقنا به الأخرين، كرواية «أبو شلاخ البرمائي» و»شقة الحرية « للروائي غازي القصيبي -رحمة الله-. ينشر الروائي أفكاره ويرسمُ أقدارَ شخصياته، ويعيش كل قارئ على حده تجربته بحرية تامة، فمهما بالغ الكاتب في الوصف والسرد فهو لن ينجح في أن يرسم صورة موحدة في ذهن قرائه، إذ إنَّ كل قارئ ستنعكس انطباعاته وتجاربه في الحياة على الشخصيات والأماكن المرسومة في الرواية، وستتفاوت شدة التوتر والارتخاء عند كل منهم وفقاً لحالته المزاجية وقوة تركيزه وانتباهه وسرعة استيعابه. إنَّ تحويل الأعمال الروائية إلى أعمال درامية كان يقتصر على الروايات العالمية «غير العربية» وتحويلها إلى أفلام مصرية، وما تلا ذلك، كان جيداً إلى حد ما، كانت هناك روايات يوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس. وتنتاب السعادة الغامرة الكثير من الكتاب الروائيين حينما تتحول رواياتهم المكتوبة إلى أفلام سينمائية وتصبح شخصياتهم بشراً من لحم ودم بعدما كانت من أحرف سوداء، ففي العالم الغربي وجد صناع السينما ضالتهم المنشودة عند تحويل الروايات إلى أفلام سينمائية، لما بدا لهم أن شعوبهم تتمتع بقاعدة معرفية واسعة، وأن نسبة الوعي والمعرفة كبيرة، لذا لعب صناع السينما على هذا الوتر الحساس، وجعلوا من الأدب سلعة ومن الروايات ترويجًا ودعاية للأعمال السينمائية، فوضع اسم مثل ماركيز أو ستيج لارسون أو تولوكين أو ستيف كينج أو دان براون على أسم فيلم سينمائي، كفيل بنجاحه وتحقيق أعلى ربح لصناع الفيلم. ان تحويل الرواية لعمل تلفزيوني مسؤولية كبيرة لأنه سيقدم ما يتخيله الناس في عقولهم خاصة أن مخيلة القارئ تكون غنية بالمشاهد التي يراها من وجهة نظره هو, لذا من المفترض أن تكون مخيلة القارئ ومخيلة الكاتب قريبة جداً من مخيلة الناس و هي مسؤولية كبيرة جدا، ومن جهة أخرى ظهر العديد من الأفلام التي وجدناها على قدر عالي من الأتقان كفيلم ذهب مع الريح وكذلك ثلاثية نجيب محفوظ من حيث الديكور والإخراج والنص والتمثيل.. المبدأ جميل جداً لكنه صعب في الوقت ذاته. الحقيقة أن الرواية عند قراءتها فإنك تتخيل الشخصيات وتكون الصوره للأحداث والشخصيات في عقل القارئ أفضل بكثير من تحويلها لفيلم.. فمهما أبدعت التقنية التصويريه السينمائية لن ترقى لمقدار خيال القارئ الذي لا يعترف بحدود عند تصوير الشخصيات والأحداث في عقلة، فمجرد الرغبة في تحويل نص روائي إلى الشاشة التلفزيونية، يقوم المخرج بمصادرة حق الخيال للقارئ، وكما أن المترجم كاتب آخر، أيضاً هو المخرج، وكذلك هو السيناريست، وكل منهما مؤلف آخر، ومبدع للنص يخلقه من جديد وقد يتفوق على النص الأدبي ويبرز جماليات النص الأصلية بلغة غير لغة الكلمات. لكن المعادلة صعبة تحتاج لمجهود عظيم، والسينما العربية والعالمية زاخرة بروائع سينمائية كانت في الأصل اعمال روائية. كمثال لا تزال (ثلاثية) نجيب محفوظ من أجمل الأعمال الروائية والأدبية، التي تم إنتاجها في الدراما العربية. ونكاد نجزم أن الغالبية العظمى من الجمهور العادي، قد تعرف إلى محفوظ في تسعينات القرن الماضي من خلال الثلاثية: (بين القصرين)، و(قصر الشوق)، و(السكرية) رغم مرور أكثر من نصف قرن على صدورها. فالأداء الرائع للممثلين أسهم إلى حد كبير في نجاح العمل الفني، وموازاته للنص الروائي. ولعل العامل الخفي الذي أسهم في نجاح تلك الثلاثية السينمائية -ونتحدث من الناحية الفنية الجماهيرية لا الأدبية- هي حرفية نجيب محفوظ ذاته في المشهد السينمائي، حيث اشتغل على كتابة السيناريوهات. رأى الأديب المصري إداور الخراط أن معظم ما تحول من أعمال أدبية للشاشة، لم ينجح بالمعنى الفني، ويبدي حكمه على أفلام حسن الإمام بقوله: (قد تكون بعض هذه الأعمال نجحت في تشويق الجماهير، لكنها شوهت العمل الأدبي الأصلي. والمثير للدهشة، هو فشل بعض الأعمال الدرامية، حين تحولت إلى نصوص مكتوبة، مثل رائعة الأديب أسامة أنور عكاشة (ليالي الحلمية) التي نشرها في كتاب فلم يجد النجاح الذي لاقاه المسلسل بل حصد الفشل في المبيعات. الكاتب حسن يوسف في تحليله لهذه الظاهرة يقول: (إن للكلمة المطبوعة خصوصية، وكي يصبح المسلسل أدباً يتطلب ذلك معالجة خاصة) إلا أن الحقيقة المرة تكمن بأن بعض الشعوب والأمم هي شعوب كسولة ولا تقرأ، وإن قرأت لا تفهم وإن فهمت لا تفعل شيئاً.. رغم قسوة هذه الكلما ت إلا أنها تطابق الحقيقة بنسبة كبيرة. المخرجة هيفاء المنصور ترى أن التحويل يعتمد بشكل كبير على رؤية الشركة المنتجة ولكن الأصح دائماً أن يختار المخرج القصة الأقرب إلى قلبه والتي يشعر بها عن قرب كي يستطيع أن يعيد صياغتها درامياً بشكل متقن، وبالطبع ليست كل رواية ناجحة تصبح فيلماً ناجحاً، فتحويل رواية جميلة إلى فيلم جميل تحدي غير بسيط بالنسبة لكتاب السيناريوفي البدء ثم بالنسبة للمخرج أيضاً، ولكن مهما كان المخرج والسيناريست جيدين لن يتمكنا من أن يصنعاً من رواية سطحية فيلماً أو عملاً درامياً يستحق المشاهدة. بالتأكيد القضية جدلية.. لكن بالنسبة لي أميل للرواية فالفلم مهما كان لن يستطيع تجسيد الخيال.. ولذلك استطيع القول إن كان الفلم عظيماً تبقى الرواية أعظم بكثير.