تحرك الجيش المصري على أكثر من جبهة نهار الأحد في 30 كانون الثاني (يناير) لبسط نفوذه وتعزيز شعبيته. وتنافست أجنحة الجيش في الحكومة والشارع على ضبط الأمة المصرية الاستراتيجية الواقعة في قلب العالم العربي. وعلى وقع تظاهرات تنادي باستقالة الرئيس المصري لليوم السادس على التوالي، بدا موقف الجيش مما يجري ملتبساً. فالمؤسسة هذه ترسل إشارات متناقضة. وفي الشارع، مد الجيش يد العون الى المتظاهرين. وفي أجواء سماء مصر، حلقت طائرات ال «أف -16» فوق المتظاهرين. وظهر كبار الضباط الى جانب الرئيس على شاشة التلفزيون الرسمي. وفي أنحاء مصر كلها، انتشر الجنود لمساعدة السكان على طرد العصابات الإجرامية ولإرساء النظام، بعدما توارت الشرطة المصرية النظامية عن الأنظار. ويوجه مصريون كثر أصابع الاتهام الى الشرطة بالوقوف وراء حملة ترهيب السكان إما من طريق القيام بأعمال عنف أو من طريق الإحجام عن وقف عمليات النهب والسلب. ومع تنامي كراهية الشرطة، تعاظمت مشاعر الإعجاب بالجيش. وتوحي إشارات الجيش المتناقضة بأن مسألة من سيتولى حكم مصر لم تحسم بَعد، على رغم مرور نحو أسبوع على تظاهرات قلبت العالم المصري السياسي رأساً على عقب. وأعلن آلاف المتظاهرين، وتظاهرتهم حماها الجيش، أنهم لن يغادروا ميدان التحرير قبل استقالة الرئيس. وبعد ظهر السبت، عمل المحتجون الى جانب الجيش للحؤول دون اختراق مركبتين تابعتين لوزارة الداخلية موقع الاحتجاج. ثم أبلغ ضابط من الجيش على متن دبابة الجمعَ أن وزارة الداخلية نشرت آلاف المسلحين لزرع الفوضى في مصر، وأعلن أن «الجيش سيقف مع الشعب». فحيّته الجموع هاتفة «الجيش والناس واحد!». ولكن الوحدة هذه لم تجد صدى لها في صور نقلها التلفزيون الرسمي تظهر الرئيس ابن ال82 سنة الى جانب قادة عسكريين ورؤساء استخبارات ووزير الدفاع. وربما يشير غياب ممثلي وزارة الأمن الداخلي عن الاجتماع الى جانب من نزاع السلطة. ويُجمع على أن الجيش نافذ ويسعه إطاحة مبارك إذا أراد ذلك، ولكنه امتنع، الى اليوم، عن ذلك. ويبدو أن تضامن الجيش مع الشعب هو خطوة لتهدئة الناس في انتظار صوغ الرئيس خطة خلافته. والسبت، عيّن مبارك عمر سليمان نائباً للرئيس. فصار سليمان الوريث المحتمل في بلد تنتقل فيه السلطة من رجل قوي الى آخر. واجتمع قادة المعارضة الأحد لتنظيم جهودهم، واتفقوا على تفويض محمد البرادعي، حائز نوبل المؤيد للديموقراطية، تمثيلهم في مفاوضات مع الحكومة. ولكن الجماهير في ميدان التحرير استقبلت ما أبلغها إياه البرادعي استقبالاً فاتراً. وبدا أن المتظاهرين لا يحبذون التحول معارضة منظمة بل يستسيغون البقاء حركة شعبية غير مؤطرة. وقبيل المساء، حلقت طائرات سلاح الجو المصري فوق ميدان التحرير. وردود المتظاهرين هي مرآة غموض اللحظة والتباس معنى الحوادث. فبعضهم رحب بالطائرات واعتبر أن تحليقها هو تأييد لمطالب المتظاهرين، بينما رأى بعض آخر أن استعراض سلاح الجو هو محاولة «ضغط» على المتظاهرين ورسالة ترهيب لهم. ودعا المتظاهرون الأممالمتحدة الى دعم قضيتهم. ورأى كثر أن بقاء الرئيس في السلطة هو رهن دعم الولاياتالمتحدة له. فإذا تراجعت واشنطن عن تأييده، سقط النظام. وقال محمد الراضي، محاسب في ال32 من العمر، «نريد أن نكون مثل أميركا. ونريد اختيار رئيسنا... والحركة هذه ليست إسلامية ولا علاقة لها بالدين. بل هي حركة شعب عانى 30 عاماً وهو يرغب اليوم بالديموقراطية». وفي وقت كان الجيش يلاحق اللصوص، ويقبض عليهم، كانت الشرطة تطلق سراحهم. ففي سجن خارج القاهرة، فرّ آلاف السجناء، بعد أن انسحبت عناصر الشرطة من مبنى السجن. وسرت إشاعة في أوساط المتظاهرين في ميدان التحرير مفادها أن الرئيس غادر البلاد. فبدأوا يقفزون من الفرح ويصرخون «ذهب!. فتعانق الجنود والمتظاهرون. ولكن سرعان ما انتشرت إشاعة أخرى بدا أنها أقرب الى الصحة مفادها أن مبارك لم يبارح مكانه. فصمت الجمع لحظةً، ثم تابع مسيرته. * مراسل، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 30/1/2011، إعداد منال نحاس.