جسدت فرقة «باليه لوزان» المعركة بين الحياة والموت وخاضت بسلاح الجسد رقصة انتهت بترك آثار الدهشة على أرض المعركة، تحت سقف مهرجانات بيت الدين الدولية. فبعد عشر سنوات على رحيل موريس بيغار، صاحب البصمة القوية على ساحة الرقص الحديث في العالم، عاد طيفه ليحلق في سماء بيت الدين في لبنان، ويحتفي بالحياة على مدى ليلتين متتاليتين. واستعادت فرقة «باليه لوزان» بإشراف جيل رومان «باليه من أجل الحياة» على خشبة المسرح بعد مرور 20 عاماً على انطلاق العرض. وفي بداية العرض الليلة الماضية تكشف الراقصون من تحت غطاء أبيض الواحد تلو الآخر، ليستحضروا بأجسادهم فنانين رحلوا في عمر الشباب نتيجة إصابتهم ب «مرض العصر». وأدى الراقصون تحية إلى فريدي ميركوري مغني فرقة «كوين» والراقص جورج دون اللذين خطفهما «مرض العصر» مطلع التسعينات. وتمكن الراقصون من تلوين الموت على إيقاع خاص مصحوب بتصاميم «فيرساتشي»، وأصرت الرقصات على الانتصار للحياة لينتهي العرض برقصة على أغنية كوين «العرض يجب أن يستمر». ويخاطب رومان كل من رحلوا في عمر الشباب قائلاً في منشور وزع خلال العرض «أنتم قلتم لنا أن نخلق الحب وليس الحرب. نحن ابتدعنا الحب، ولكن لماذا الحب يعمل حرب علينا؟». كما وزعت مقتطفات كان قد خطها بيغار ويقول فيها إن «بيغار باليه علاقة حب مع باليه عملها كوين، فيها إبداع وفيها حب وفيها عنف وفيها فرح». وعلى مدى ساعتين قدمت الفرقة عروضاً ورقصات كانت تخرج من الموت إلى الأمل والطاقة والقيامة والرجاء، وكل ذلك على مسرح يخلو من الديكور، فيما تحولت الأجساد نفسها إلى «سينوغرافيا» خلابة جعلت من الراقصين جسداً واحداً. وبدا الحاضرون من كل الأعمار متسمرين على مقاعدهم يرقبون تلك الخطوات التي تبدو وكأنها مسرحية متناغمة الأحداث. وفي أحد المشاهد يرفع الراقصون العلم البريطاني على أغنية «الله يحفظ الملكة». ورومان كان أحد راقصي بيغار الأساسيين ثم تولى الإدارة الفنية للفرقة وفق رغبة المؤسس الذي توفي عام 2007. وتجوب فرقة «باليه لوزان» العالم لتؤدي أجمل إبداعات المصمم العالمي الذي غير كثيراً في مفهوم الرقص في القرن العشرين، وكان يحلم بفتح عالم الباليه لأوسع شريحة من المجتمع. ومن خلال «باليه من أجل الحياة» تمكن رومان من تحقيق هذا الحلم، إذ حافظت الفرقة على إرث بيغار وأدخلت موسيقى «فولفجانغ أماديوس موتسارت» (1756-1791)، أحد أشهر العباقرة المبدعين في تاريخ الموسيقى على رغم أن حياته كانت قصيرة. و«كوين» فرقة روك إنكليزية شكلها في لندن عام 1970 عازف القيثارة برايان ماي والمغني فريدي ميركوري وعازف الإيقاع روجر تيلور وعازف الباص غيتار جون ديكو. ولم يكن موريس بيغار غريباً عن لبنان، إذ زاره مرات عدة مع فرقته «باليه القرن العشرين»، خصوصاً للمشاركة في المهرجانات. وبدأت مهرجانات بيت الدين الدولية عام 1975، وهو العام الذي اندلعت فيه الحرب اللبنانية الأهلية التي انتهت العام 1990 بعد زهاء 15 عاماً. وتقام المهرجانات في قصر بيت الدين والذي يعرف أيضاً بقصر الأمير بشير، ويعتبر من أفضل الأمثلة على العمارة اللبنانية في أوائل القرن ال19.