اتصلت بي صديقتي لتسألني إن كنت أتابع برنامج «كلام نواعم»، وللحقيقة أنا لا أتابعه ولا أعلم عن أي سيدة حولي تتابعه، لكن صديقتي ألحت عليّ في متابعة حلقة عند استضافة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون... اللقاء ضم الوزيرة مع ثلاث نواعم فقط بدلاً من أربع، وتم تنظيمه في رحاب جامعة زايد في الإمارات، بحضور منسوبي الجامعة وطلابها. افتتاح اللقاء التقليدي كان بتبادل التحيات والمجاملات المعتادة، ثم بتشجيع الجمهور على المشاركة حتى طرحت أسئلة ناعمة خجولة كطبيعة البرنامج على الوزيرة، حول نصائحها للطامحات في العمل السياسي في المنطقة العربية – وكأن ذلك ممكن على العموم - وللسيدات المترددات في الخروج من حماية المجتمع التقليدي الأبوي، وحول موقف الوزيرة من النقاب، ولم تتردد الوزيرة في تشجيع النساء على الخروج من قوقعتهن والتسلح بالتعليم، وأن اختيار الزي حق للمرأة. «النواعم» أدرن اللقاء بتبادل في طرح الأسئلة التي أتت في معظمها في القالب التقليدي المعتاد طرحه مع الشخصيات السياسية الأميركية بلا أية إضافة جديدة تذكر. كانت هناك أسئلة حول مناصب الوزيرة المتعددة، وموقف المسؤولين في العالم من مقابلة مسؤولة امرأة، ومواقف أميركا من قضايا عالمية مثل «ويكيليكس»، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحاضر دوماً على كل ساحة لنا. تفوقت الديبلوماسية الأميركية البارعة على مضيفاتها الناعمات في نعومة طرح الأجوبة وتفادي مناطق الصراع، ولم تكن هناك نبرة أكثر وضوحاً في خطاب الوزيرة من موقف أميركا من إيران، فالعقوبات الاقتصادية التي اعتقد العالم عدم جدواها هي في الحقيقة، وبحسب رأي الوزيرة، فعالة في ضبط الطموح الإيراني في الحصول على السلاح النووي، فالخطر، كما أوضحت الوزيرة، لا يهدد أميركا فقط، بل يمتد إلى كل دول المنطقة التي ستتسابق حتماً على التسلح النووي. توجهت الوزيرة إلى الحضور مباشرة تسألهم: إن حصلت إيران على سلاح نووي، هل سيريد كل شخص منكم أن تملك دولته السلاح النووي؟ - شخصياً لن أريد - إحدى النواعم ردت بأن إسرائيل أيضاً تملك سلاحاً نووياً. تفادت الوزيرة المأزق برد عام «أن الولاياتالمتحدة تسعى لمنع التسلح النووي في العالم عموماً»... الموقف الأميركي الرسمي أيضاً يشجع الإصلاح والتقدم وحقوق المرأة، ولكنه هنا بالذات يحترم خصوصيات المنطقة ولا يتدخل. العقوبات الاقتصادية تردع الحصول على السلاح النووي، ولكنها أيضاً غير مرتبطة بسياسات التعاطي مع انتهاكات حقوق الإنسان في حكومات المنطقة. سردت الوزيرة ببراعة خطورة التطرف الديني في قصة مؤثرة حول طبيبة وابنتيها يدرن مشفى في الصومال، على رغم تهديد الميليشيات الإسلامية بهدم المكان. وحكت للحضور عن مواجهة الطبيبة للمرتزقة: «أنا هنا لأنفع الناس وأخدمهم، فماذا تفعلون أنتم لخدمة الناس؟»، سؤال منطقي تماماً، يطرح نفسه هنا كالسؤال الأكثر مواءمة الذي ويا للغرابة لم يطرحه أحد من النواعم أو الحضور الخجول: «ماذا تفعل الولاياتالمتحدة الراعية الكبرى في المنطقة لخدمة الناس هنا؟ ولخدمة حقوق الإنسان والمرأة على الأخص، الآن وقد وصلت راعية حقوق المرأة إلى المنصب الأكثر أهمية في تاريخ الحركة النسوية»؟ تقرر الوزيرة أن دور الولاياتالمتحدة محوري في حل النزاعات والمشكلات حول العالم، وأن تبرعات أميركا هي الداعم الأكبر للدولة الفلسطينية منذ إنشائها وحتى الآن، وأنه ليس هناك نزاع حول العالم لا يمكن للولايات المتحدة أن تلعب فيه دوراً ما لحله، وهذه بالذات كانت الكلمة الأكثر أهمية في رأيي في برنامج موجه للنساء والتي أهملت النواعم الوقوف عندها ومنحها المزيد من التوضيح والأهمية. الواجب المنزلي للنواعم قبل الحلقة كان يقتضي مراجعة الخطوات التي قدمتها كبيرة العائلة (الولاياتالمتحدة) ممثلة بوزيرة خارجيتها لدعم المطالب العادلة للنساء في المنطقة، على مدار عامين. ماذا قدمت الوزيرة عبر منصبها لدعم النساء في منطقة الخليج سوى الدعم المعنوي بكلمات ناعمة؟ زارت دول المنطقة مراراً وتعرّفت على النساء والناشطات، واستمعت الى قصص زواج القاصرات، وعضل المحارم، وتابعت مطالبات الناشطات والحقوقيات باعتبار المرأة مواطنة راشدة وتمكينها من المشاركة الحقيقية. ربما تختلف الصورة لو لم تكن كل لقاءاتها في المنطقة مع نواعم ما، ولو لم يكن هذا البرنامج «ناعماً» لربما استمعنا إلى أسئلة أكثر جدية وأكثر ارتباطاً بحياة النساء هنا، وربما خرجنا برؤية أكثر وضوحاً عن موقف الوزيرة الحقيقي من سياسات التمييز ضد النساء، ليس في الصومال فقط. ربما توقفنا عند سؤال طرحته واحدة من النواعم، إذ لا يمكن سوى أن تحمله امرأة سعودية: «لماذا يواجه المحارم المرافقون للطالبات السعوديات في بعثاتهن المكلفة للخارج صعوبات لإصدار تأشيرات الدخول لأميركا؟»، ولربما تفهمنا سر دهشة الوزيرة من هذا السؤال وعدم معرفتها بوجود إشكالية للمحارم، وربما كانت أيضاً تسمع بكلمة المحارم «الفيكتورية» للمرة الأولى عبر برنامج النواعم. لو لم يكن البرنامج ناعماً لربما تحدت المذيعة السلطة المطلقة للذكور على النساء التي ترعاها الحكومات. كنت أتمنى تحلّي المذيعات بالقليل من الخشونة وسؤال الوزيرة عن موقف أميركا من نظام الوصاية الممارس على الراشدات في الحصول على حقوقهن، وسؤالها عن دور الوساطة الأميركية في الدفع بمشاركة المجتمع المدني بلا تمييز، وعن حظر مشاركة النساء في الانتخابات. لو كانت المذيعة في شجاعة بربارة والترز فربما طرقت حتى الثورة التونسية الحديثة وظفرت بتعليق خاص من الوزيرة عن السياسات المستبدة. لكننا في النهاية في حضرة «النواعم» فكان لا بد من ختم الحلقة بقصة ناعمة تذكرنا بتجمع «حريمي» في عزومة على الشاي. قصة لقاء الوزيرة «الرومانسي» بزوجها عازف الساكسوفون الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في حرم الجامعة، وكم كان ولا يزال وسيماً في عينيها - على رغم خيانته الشهيرة - ... هل كان اللقاء على العموم مهماً للمرأة العربية المهمومة بواقعها والمتابعة للقاء؟... مع احترامي للقائمين على البرنامج ورؤيتهم إلا أنه بعيد تماماً عن نسخته الأميركية «ذا فيو: وجهة نظر». ليس إلا نسخة «فيكتورية» مهذبة لنساء ناعمات بالفعل، حديثهن يداعب أحلام النساء ويشبه نيات التطوير الحكومية في البلاد العربية المختبئة عن الواقع لأجل «غير مسمى»! * كاتبة سعودية [email protected]